ليلة جاءنا رسول الله (ص) أن اعتزلوا نساءكم، فأما هلال بن أمية فجاءت امرأته إلى رسول الله (ص) فقالت له: إنه شيخ قد ضعف بصره، فهل تكره أن أصنع له طعامه؟
قال: (لا، ولكن لا يقربنك، قالت: إنه والله ما به حركة إلى شئ، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يوم هذا، قال: فقال لي بعض أهلي، لو استأذنت رسول الله (ص) في امرأتك كما استأذنت امرأة هلال بن أمية، فقد أذن لها أن تخدمه، قال:
فقلت: والله لا أستأذنه فيها، وما أدري ما يقول رسول الله (ص) إن استأذنته، وهو شيخ كبير وأنا رجل شاب، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك حتى يقضي الله ما هو قاض، وطفقنا نمشي في الناس ولا يكلمنا أحد ولا يرد علينا سلاما، قال: فأقبلت حتى تسورت جدارا لابن عم لي (1) في حائطه، فسلمت فما حرك شفتيه يرد علي السلام، فقلت: أنشدك بالله! أتعلم أني أحب الله ورسوله، فما كلمني كلمة، ثم عدت فلم يكلمني حتى إذا كان في الثالثة أو الرابعة قال: الله ورسوله أعلم، فخرجت فإني لامشي في السوق إذا الناس يشيرون إلي بأيديهم، وإذا نبطي من نبط الشام يسأل عني، فطفقوا يشيرون له إلي حتى جاءني فدفع إلي كتابا من بعض قومي بالشام أنه قد بلغنا ما صنع بك صاحبك وجفوته عنك فالحق بنا، فإن الله لم يجعلك بدار هوان ولا دار مضيعة، نواسك في أموالنا، قال:
قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، قد طمع في أهل الكفر، فيممت به تنورا فسجرته به، فوالله إني لعلى تلك الحال التي قد ذكر الله، قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت، وضاقت علينا أنفسنا، صاحبه خمسين ليلة من نهي عن كلامنا، أنزلت التوبة على رسول الله (ص)، ثم أذن رسول الله (ص) بتوبة الله علينا حين صلى الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وركض رجل إلى فرسا (2) وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس، فنادى: يا كعب بن مالك! أبشر، فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء الفرج، فلما جاءني الذي سمعت صوته حصصت (3) له ثوبين ببشراه، ووالله ما أملك يومئذ ثوبين غيرهما، واستعرت ثوبين، فخرجت قبل رسول الله (ص) فلقيني الناس فوجا فوجا يهنئونني بتوبة الله علي حتى دخلت المسجد فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، ما قام إلي من المهاجرين غيره، فكان كعب لا ينساها لطلحة، ثم أقبلت حتى وقفت على رسول الله (ص) كأن وجهه قطعة قمر، كان إذا سر استنار وجهه كذلك، فناداني: هلم يا