أخذت الوادي كله، قال أبو سفيان الحكيم ما هذه النيران؟ قال بديل بن ورقاء: هذه نيران بني عمرو، جوعتها الحرب، قال أبو سفيان: لا وأبيك لبنو عمرو أذل وأقل من هؤلاء، فتكشف عنهم الأراك، فأخذهم حرس رسول الله (ص) نفر من الأنصار، وكان عمر بن الخطاب تلك الليلة على الحرس، فجاؤوا بهم إليه، فقالوا: جئناك بنفر أخذناهم من أهل مكة، فقال عمر وهو يضحك إليهم: والله لو جئتموني بأبي سفيان ما زدتم، قالوا: قد والله أتيناك بأبي سفيان، فقال: احبسوه، فحبسوه حتى أصبح، فغدى به على رسول الله (ص) فقيل له: بايع، فقال: لا أجد إلا ذاك أو شرا منه، فبايع، ثم قيل لحكيم ابن حزام: بايع، فقال: أبايعك ولا أخر إلا قاوما، قال: قال رسول الله (ص): (أما من قبلنا فلن تخر إلا قائما)، فلما ولوا قال أبو بكر: أي رسول الله! إن أبا سفيان رجل يحب السماع - يعني الشرف، فقال رسول الله (ص): (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن إلا ابن خطل، ومقيس بن صبابة الليثي، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، والقينتين، فإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة فاقتلوهم)، قال: فما ولوا قال أبو بكر: يا رسول الله (ص)! لو أمرت بأبي سفيان فحبس على الطريق وأذن في الناس بالرحيل، فأدركه العباس فقال: هل لك إلى أن تجلس حتى تنظر؟ قال: بلى، ولم يكن ذلك إلا أن يرى ضعفة فيتناولهم، فمرت جهينة فقال: أي عباس! من هؤلاء؟ قال: هذه جهينة، قال: ما لي ولجهينة، والله ما كانت بيني وبينهم حرب قط، ثم مرت مزينة فقال: أي عباس! من هؤلاء؟ قال: هذه مزينة، قال: ما لي ولمزينة، والله ما كانت بيني وبينهم حرب قط، ثم مرت سليم فقال: أي عباس! من هؤلاء؟ قال: هذه سليم، قال: ثم جعلت تمر طوائف العرب فمرت عليه أسلم وغفار فيسأل عنها فيخبره العباس، حتى مر رسول الله (ص) في أخريات الناس في المهاجرين الأولين والأنصار في لامة تلتمع البصر، فقال: أي عباس! من هؤلاء؟ قال: هذا رسول الله (ص) في المهاجرين الأولين والأنصار قال: لقد أصبح ابن أخيك عظيم الملك، قال: لا والله، ما هو بملك، ولكنها النبوة، وكانوا عشرة آلاف أو اثني عشر ألفا، قال: ودفع رسول الله (ص) الراية إلى سعد بن عبادة، فدفعها سعد إلى ابنه قيس بن سعد، وركب أبو سفيان فسبق الناس حتى اطلع عليهم من الثنية، قال له أهل مكة: ما وراءك؟ قال: ورائي الدهم، ورائي ما لا قبل لكم به، ورائي من لم أر مثله، من دخل داري فهو آمن، فجعل الناس يقتحمون داره، وقدم رسول الله (ص) فوقف بالحجون بأعلى مكة، وبعث الزبير بن العوام في الخيل في أعلى الوادي، وبعث خالد ابن الوليد في الخيل في أسفل الوادي، وقال رسول الله (ص): (إنك لخير أرض الله
(٥٢٨)