لهم رسول الله (ص): أترون أن نمضي لوجهنا، ومن صدنا عن البيت قاتلناه، ألم ترون أن نخالف هؤلاء إلى من تركوا وراءهم، فإن أتبعنا منهم عنق قطعة الله، قالوا يا رسول الله! الامر أمرك والرأي رأيك، فتيامنوا في هذا الفعل، فلم يشعر به خالد ولا الخيل التي معه حتى جاوز بهم فترة الجيش وأوفت به ناقته على ثنية تهبط على غائط القوم يقال له بلدح، فبركت فقال: حل حل، فلم تنبعث، فقالوا: خلات القصواء، قال: إنها والله ما خلات، ولا هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، أنا والله لا يدعوني اليوم إلى خطة يعظمون فيها حرمة ولا يدعوني فيها إلى صلة إلا أجبتهم إليها)، ثم زجرها فوثبت، فرجع من حيث جاء عوده على بدئه، حتى نزل بالناس على ثمد من ثماد الحديبية ظنون قليل الماء يتبرض الناس ماءها تبرضا، فشكوا إلى رسول الله (ص) قلة الماء، فانتزع سهما من كنانته، فأمر رجل فغرزه في جوف القليب، فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بعطن، فبينما هو على ذلك إذ مر به بديل بن ورقاء الخزاعي في ركب من قومه من خزاعة، فقال: يا محمد! هؤلاء قومك قد خرجوا بالعوذ المطافيل، يقسمون بالله ليحولن بينك وبين مكة حتى لا يبقى منهم أحد، قال: يا بديل! إني لم آت لقتال أحد، إنما جئت أقضي نسكي وأطوف بهذا البيت، وإلا فهل لقريش في غير ذلك، هل لهم إلى أن أمادهم مدة يأمنون فيها ويستجمون، ويخلون فيها بيني وبين الناس، فإن ظهر فيها أمري على الناس كانوا فيها بالخيار أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس، وبين أن يقاتلوا وقد جمعوا وأعدوا)، قال بديل: سأعرض هذا على قومك، فركب بديل حتى مر بقريش فقالوا: من أين؟ قال: جئتكم من عند رسول الله (ص)، وإن شئتم أخبرتكم بما سمعت منه فعلت، فقال أناس من سفهائهم: لا تخبرنا عنه شيئا، وقال ناس من ذوي أسنانهم وحكمائهم: بل أخبرنا ما الذي رأيت وما الذي سمعت؟ فاقتص عليهم بديل قصة رسول الله (ص) وما عرض عليهم من المدة، قال: وفي كفار قريش يومئذ عروة بن مسعود الثقفي، فوثب فقال: يا معشر قريش! هل تتهمونني في شئ، ألست بالولد ولستم بالوالد، أو لست قد استنفرت لكم أهل عكاظ، فلما ملجوا علي نفرت إليكم بنفسي وولدي ومن أطاعني، قالوا: بلى، قد فعلت، قال: فاقبلوا من بديل ما
(٥١٣)