المرارة والحرارة عرضت لأرضيته من تجاور ناريته وحرارته أعني جزئه الغالب عليه الحرارة، وهذا الجزء عرضت للتبرز والانفراش على سطح الهندباء إلى الرطوبة التي تجرى عليه، فإذا غسل بطل هذا الجزء اللطيف البورقي وبقى أثره المرارة في جوهر كثيف أرضي.
فقد علم أن الهيولي القابلة لصورة المرارة وهي هو الجوهر، وإن حركته الحرارة أزعجته كسلان ثقيل لا نفوذ له، وإما الباقي من جوهر الهندباء وهو البارد، فأحراه أن يكون أكسل وأثقل، فيعدم الهندباء من فضيلته التفتيح البالغ والبورقية القوية، فإنما الهندباء إنما كان يفضل ساير البقول أو أكثرها لأنه فيه قوة خارطة إلى الأعضاء التي يسوق نحوها فيفتح ويغسل ويدفع الاخلاط اللحجة الحارة والباردة ثم تحرك القوة المبردة القوية التي فيها حتى تغلغل التجاويف والمنافذ تغلغلا واغلا يأتي أقصى ليف العروق.
ولأنها أعني القوة المسخنة لطيفة فلا يثبت أن يتحلل ويبطل ويزول أذاها، و لان القوة المبردة راسبة لأنها ثقيلة لا يطول عليها أن يبدل مزاج العضو إلى برد راسب راسخ، ولولا تلك القوة لما انفتحت السدد، ولا اندفعت الاخلاط الحارة المستثقلة، ولا تبدرقت القوة المبردة إلى أقصى الأعضاء، وإلى مثل جانب الكبد المعنقد، بل إلى القلب، وكانت مما لا يبرح جانب المعدة والماساريقا يؤثر فيها وفيما يليها تأثيرا غير ممعن ولا منقص ولا باق ولا واصل إلى الأعضاء التي هي الأصول التي هي الرئيسة.
فغاسل الهندباء يفقد هذا البز الفاضل، وطابخه، أشد خطأ وأكثر إقداما على الباطل، لأنه أيضا يعدم ما تركه الغسل في جوهر الهندباء في باطنه من تلك القوة فيحلله ويبخره.
فقد بان ما قاله الغرة من الأطباء المذكورين، وبان معنى الكلام النبوي الخارج الكثير منه، فخرج الأمثال المضروبة والرموز الواقعية، وبالله التوفيق