علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال في خطبة: الزوراء وما أدراك ما الزوراء أرض ذات أثل يشيد فيها البنيان وتكثر فيها السكان ويكون فيها محاذم وخزان يتخذها ولد العباس موطنا ولزخرفهم مسكنا تكون لهم دار لهو ولعب يكون بها الجور الجائر والخوف المخيف والأئمة الفجرة والأمراء الفسقة والوزراء الخونة تخدمهم أبناء فارس والروم لا يأتمرون بمعروف إذا عرفوه ولا يتناهون عن منكر إذا أنكروه (يكتفي) الرجال منهم بالرجال والنساء منهم بالنساء فعند ذلك الغم العميم والبكاء الطويل والويل والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترك وهم قوم صغار الحدق وجوههم كالمجان المطوقة بأسهم الحديد جرد مرد يقدمهم ملك يأتي من حيث بدا ملكهم جهوري الصوت قوي الصولة علي الهمة لا يمر بمدينة إلا فتحها ولا ترفع عليه راية إلا نكسها الويل الويل من ناواه فلا يزال كذلك حتى يظفر.
فلما وصف لنا ذلك ووجدنا الصفات فيكم رجوناك فقصدناك فطيب قلوبهم وكتب لهم فرمانا باسم والدي رحمه الله يطيب قلوب أهل الحلة وأعمالها (1).
ولا يخفي على من ألقى السمع وهو شهيد أن إقدام هذا الشيخ التقي على مثل هذه المحاولة ليس هو مساومة للفاتح الأجنبي ومساعدة على تسليط الكافر على المؤمن كما اعتقده بعض العامة ممن لا تدبر له في الأمور.
فإن هذا العالم الجليل الورع يعرف أن الكافر لا سبيل له على المؤمن لكن لما شاهد أن الخليفة العباسي آنذاك منهمك في لهوه ولعبه لم يفكر في مصير نفسه فضلا عن غيره وعدم وجود القدرة الكافية لمواجهة الغزو المغولي وكان يعلم أن المغول التتار إذا دخلوا بلدة ماذا يصنعون بها من الدمار والهلاك والسبي والتعدي على الناموس.