مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٤٧
من اجتماعهما عليه، ولذلك قلت مع موافقة الآخر. ولم يرد المصنف بيان الشارط لوضوحه كما قاله الأسنوي، فإنه لا يكون إلا منهما. وإنما أراد بيان المشروط له، لكن عبارته لا توفي بمقصوده، فلو قال: يجوز شرطهما الخيار لهما ولأحدهما لأفاد مقصوده، ولكن يمكن رد عبارته إلى الصواب كما قاله الولي العراقي بأن لا يجعل قوله لهما ولأحدهما خبرا عن قوله شرط الخيار وإنما هو متعلق بالخيار والخبر قوله: (في أنواع البيع) أي شرط الخيار الكائن لهما أو لأحدهما ثابت في أنواع البيع. ومع ذلك فعبارته توهم أنه لا يجوز شرطه لأجنبي، وتوهم جواز اشتراط وكيل البائع الخيار للمشتري وجواز اشتراط وكيل المشتري الخيار للبائع، وليس مرادا كما علم مما تقرر. وعلم من تقييده بالبيع أنه لا يشرع في غيره كالفسوخ والعتق والابراء والنكاح والإجارة وهو كذلك. (إلا أن يشترطا القبض في المجلس كربوي وسلم) فلا يجوز شرط الخيار فيه لاحد، لأنه لا يحتمل التأجيل، والخيار أعظم غررا منه لا مانع من الملك أو من لزومه.
تنبيه: إنما ذكر المصنف مثالين لينبه على أنه لا فرق بين ما يشترط فيه القبض من الجانبين كالربوي أو من أحدهما فقط كالسلم. وأورد على حصره فيما ذكر مسائل: منها البيع الضمني. ومنها الحوالة إذا جعلناها بيعا. ومنها ما إذا اشترى من يعتق عليه كما مر. ومنها المصراة فإنه لا يجوز شرط خيار الثلاث فيها للبائع لأنه يمنع من الحلب وترك الحلب يضر بالبهيمة. قال الأذرعي: ويجب طرده في كل حلوب وإن لم تكن مصراة، إذ تركها ثلاثا بلا حلب يضرها بلا شك وإن كانت المصراة أشد ضررا. فإن قيل: لك أن تقول ما المانع من حلب البائع لها إذا كان الخيار له، لأن الملك له حينئذ، واللبن في زمن الخيار لمن له الملك؟ أجيب بأن اللبن الموجود حال البيع مبيع، فهو كالحمل الموجود عند البيع فيمتنع على البائع الحلب لذلك، والبائع إنما يملك لو تم البيع للبن الحادث بعد العقد كالولد الحادث بعده. ومنها ما إذا باع الكافر عبده المسلم بشرط الخيار ثم فسخ ثم باعه وشرط الخيار وفسخ وهكذا، فإن الحاكم يلزمه أن يبيع بيعا باتا كما قاله المتولي، وقضيته جواز الخيار للكافر في العبد المسلم ابتداء، وهو ما نقله في المجموع عن القاضي حسين وأقره.
فإن قيل: قد أتى المصنف بالكاف في قوله: كربوي وسلم فيقتضي أن لنا غيرهما يشترط فيه قبض العوض في المجلس ولم يوجد. أجيب بالمنع، فإن الإجارة على عمل في الذمة يشترط قبض الأجرة فيها في المجلس. (وإنما يجوز) شرط الخيار (في مدة معلومة) متصلة بالعقد المشروط فيه الخيار، متوالية (لا تزيد على ثلاثة أيام) لأن الأصل امتناعه لكونه مخالفا لوضع البيع فإنه يمنع نقل الملك أو لزومه ثبت في الثلاث بما روي في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما:
أن رجلا من الأنصار كان يخدع في البيوع فشكا إلى رسول الله (ص)، فقال له: إذا بايعت فقل لاخلابة، وفي رواية: فقل لا خلابة وأنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال والخلابة بكسر الخاء المعجمة وبالباء الموحدة، ومعناه: لا غبن ولا خديعة، فثبت خيار المشتري بالنص، وألحق به البائع بالقياس عليه، فبقي ما زاد على الأصل. وهذه الكلمة في الشرع عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثا، فإذا كانا عالمين بمدلولها كان كالتصريح باشتراط الخيار، وإن كانا جاهلين به أو أحدهما لم يثبت الخيار. وفي مصنف عبد الرزاق عن أنس: أن رجلا اشترى من رجل بعيرا واشترط الخيار أربعة أيام، فأبطل رسول الله (ص) البيع، وقال: الخيار ثلاثة أيام. ولان الحاجة تندفع بها غالبا، فلو زاد عليها بطل العقد. ولا يخرج على تفريق الصفقة لوجود الشرط الفاسد وهو مبطل للعقد لأن الشرط يتضمن غالبا زيادة في الثمن أو محاباة، فإذا سقطت انجرت الجهالة إلى الثمن بسبب ما يقابل الشرط الفاسد فيفسد البيع، فلهذا لم يصح الشرط في الثلاث ويبطل ما زاد عليها، وقد نبهت على استثناء ذلك في الكلام على تفريق الصفقة. فإن شرط الثلاث من الغد أو فرقها لم يصح العقد لأن العقد إذا لزم لا يصير بعد ذلك جائزا. ويدخل في الأيام المشروطة ما اشتملت عليه من الليالي للضرورة كما في المجموع، ومقتضى هذه العلة كما قاله الأسنوي أنه لو عقد وقت الفجر
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429