مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٣٦
عليه. (إلى معنى يقترن به) لا إلى ذاته، لأن النهي ليس للبيع بخصوصه، بل لأمر آخر. هذا هو القسم الثاني، فجميع ما فيه من الصور يصح فيها البيع ويحرم إلا في الصورتين الأخيرتين آخر الفصل، ولو قدمهما عليه كان أولى. ثم شرع في الصور التي لا يبطل البيع فيها وهي سبعة مبتدئا بواحدة منها فقال: (كبيع حاضر لباد، بأن يقدم) شخص (غريب) أو غيره (بمتاع تعم الحاجة) أي حاجة أهل البلد (إليه) كالطعام وإن لم يظهر بيعه سعة في البلد لقلته، أو لعموم وجوده ورخص السعر، أو لكبر البلد، (ليبيعه بسعر يومه) أي حالا، (فيقول) له شخص (بلدي) أو غيره: (اتركه عندي) أو عند غيري (لأبيعه) لك (على التدريج) أي شيئا فشيئا، (بأعلى) من بيعه حالا، وذلك لخبر الصحيحين:
لا يبع حاضر لباد زاد مسلم: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض وقال ابن شهبة: زاد مسلم: دعوا الناس في غفلاتهم إلخ. والمعنى في التحريم التضييق على الناس، فإن التمسه البادي منه بأن قال له ابتداء:
أتركه عندك لتبيعه بالتدريج أو انتفى عموم الحاجة إليه كأن لم يحتج إليه أصلا أو إلا نادرا، أو عمت وقصد البدوي بيعه بالتدريج فسأله الحضري أن يفوضه إليه، أو قصد بيعه بسعر يومه فقال له: اتركه عندي لأبيعه كذلك لم يحرم لأنه لم يضر بالناس، ولا سبيل إلى منع المالك منه لما فيه من الاضرار به، ولهذا اختص الاثم بالحضري كما نقله في زيادة الروضة عن القفال وأقره. فإن قيل: الأصح أنه يحرم على المرأة تمكين المحرم من الوطئ، لأنه أعانه على معصية، فينبغي أن يكون هذا مثله. أجيب بأن المعصية إنما هي في الارشاد إلى التأخير فقط وقد انقضت لا الارشاد مع البيع الذي هو الايجاب للصادر منه. وأما البيع فلا تضييق فيه، لا سيما إذا صمم المالك على ما أشار به حتى لو لم يباشره المشير عليه باشره غيره بخلاف تمكين المرأة الحلال المحرم من الوطئ، فإن المعصية بنفس الوطئ. ولو استشاره البدوي فيما فيه حظه ففي وجوب إرشاده إلى الادخار والبيع بالتدريج وجهان، أوجههما يجب إرشاده كما قال الأذرعي إنه الأشبه وكلام الروضة يميل إليه، والثاني: لا، توسيعا على الناس. ولو قدم البادي يريد الشراء فتعرض له حاضر يريد أن يشتري له رخيصا - وهو المسمى بالسمسار - فهل يحرم عليه كما في البيع؟ تردد فيه في المطلب، وقال ابن يونس في شرح الوجيز: هو حرام، وينبغي كما قال الأذرعي الجزم به. والحاضر: ساكن الحاضرة، وهي المدن والقرى والريف، وهي أرض فيها زرع وخصب، والبادي: ساكن البادية، وهي خلاف الحاضرة. والتعبير بالحاضر والبادي جرى على الغالب، والمراد أي شخص كان كما مرت الإشارة إليه. ثم شرع في الصورة الثانية فقال: (وتلقي الركبان بأن يتلقى) شخص (طائفة يحملون متاعا) طعاما أو غيره (إلى البلد) مثلا، (فيشتريه) منهم (قبل قدومهم) البلد (ومعرفتهم بالسعر) فيعصي بالشراء ويصح وإن لم يقصد التلقي، وذلك لقوله (ص): لا تلقوا الركبان للبيع رواه الشيخان. والمعنى فيه احتمال غبنهم سواء أخبرهم المشتري كاذبا أم لم يخبر. (ولهم الخيار إذا) أغبنوا، و (عرفوا الغبن) ولو قبل قدومهم لما رواه البخاري:
لا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق، فمن تلقاها فصاحب السلعة بالخيار وهو على الفور قياسا على خيار العيب ، فإن التمسوا البيع منه ولو مع جهلهم بالسعر، أو لم يغبنوا كأن اشتراه منهم بسعر البلد أو بدونه وهم عالمون فلا خيار لهم لانتفاء المعنى السابق، وكذا لا خيار لهم إذا كان التلقي بعد دخول البلد ولو خارج السوق لامكان معرفتهم الأسعار من غير المتلقين وإن كان ظاهر الخبر يقتضي خلافه، وبعضهم نسب لظاهر الحديث خلاف ذلك فاحذره. ولو لم يعرفوا الغبن حتى رخص السعر وعاد إلى ما باعوا به ففي ثبوت الخيار وجهان في البحر، أوجههما عدم ثبوته كما في زوال عيب المبيع وإن قيل بالفرق بينهما وتلقي الركبان للبيع منهم كالتلقي للشراء في أحد وجهين رجحه الزركشي، وهو المعتمد نظرا للمعنى وإن رجح الأذرعي مقابله، وبعضهم نسب للأذرعي خلاف ذلك فاحذره. والركبان جمع راكب، والتعبير به
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429