مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٤٥
المعتمد كما تقدم في بابه. (و) يبطل أيضا خيار المجلس (بالتفرق ببدنهما) عن مجلس العقد للخبر السابق. (فلو طال مكثهما أو قاما وتماشيا منازل دام خيارهما) وإن زادت المدة على ثلاثة أيام أو أعرضا عما يتعلق بالعقد، حتى لو تبايع شخصان ملتصقان دام خيارهما ما لم يختارا أو أحدهما، بخلاف الأب إذا باع لابنه أو اشترى منه وفارق المجلس انقطع الخيار، لأنه شخص واحد لكن أقيم مقام اثنين، بخلاف الملتصقين فإنهما شخصان حقيقة بدليل أنهما يحجبان الام من الثلث إلى السدس.
ويحصل التفرق بأن يفارق أحدهما الآخر من المجلس ولو ناسيا أو جاهلا وإن استمر الآخر فيه، لأن التفرق لا يتبعض بخلاف التخاير. وكان ابن عمر راوي الخبر: إذا ابتاع شيئا فارق صاحبه، رواه البخاري، وروى مسلم: قام يمشي هنيهة ثم رجع. فإن قيل: قضية ذلك حل الفراق خشية أن يستقيله صاحبه، وقد قال (ص) كما رواه الترمذي وحسنه: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار. ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله. أجيب بأن الحل في الخبر محمول على الإباحة المستوية الطرفين. ولو حمل أحد العاقدين فأخرج من المجلس مكرها بغير حق لم ينقطع خياره لأنه لم يفعل شيئا، وكذا لا ينقطع خياره إذا أكره على الخروج ولو لم يسد فمه لأن الفعل المكره فعل كلا والسكوت عن الفسخ لا يقطع الخيار كما في المجلس. فإن قيل: قد مر أن الناسي والجاهل ينقطع خيارهما مع تسويتهما للمكره في أبواب كثيرة.
أجيب بنسبتهما للتقصير هنا بخلاف المكره، فإن فارقه الاكراه في مجلس فله الخيار فيه حتى يفارقه، أو مارا فحتى يفارق مكانه الذي انقطع فيه الاكراه، وأما صاحبه فإن لم يخرج معه انقطع خياره إلا إن منع من الخروج معه. ولو هرب أحدهما ولم يتبعه الآخر بطل خياره كخيار الهارب، ولو لم يتمكن من أن يتبعه لتمكنه من الفسخ بالقول، ولان الهارب فارق مختارا بخلاف المكره فإنه لا فعل له. وقضية التعليل الأول أنه لو لم يتمكن من الفسخ بالقول بقي خياره حتى يتمكن منه.
فإن قيل: قياس ما قالوه في الايمان أنه لو حلف لا يفارق غريمه ففارقه غريمه لم يحنث وإن أمكنه متابعته، أن يكون الحكم هنا كذلك. أجيب بأن الحكم هنا منوط بالتفرق وهو يحصل بوجود الفرقة من كل منهما، وهناك منوط بالمفارقة من الحالف، نعم لو قال والله لا تفترق كان الحكم كما هنا، أما إذا تبعه فالخيار باق ما لم يتباعدا كما حكاه في المجموع عن المتولي وأقره. ويبين هذا التباعد قول البسيط: إن لحقه قبل انتهائه إلى مسافة يحصل بمثلها المفارقة عادة فالخيار باق وإلا فلا أثر للحوقه. ويحمل على هذا أيضا ما نقله في الكفاية عن القاضي من ضبطه يفوق ما بين الصفين، فالمراد من هذه العبارات واحد. (ويعتبر في التفرق العرف) فما يعده الناس تفرقا يلزم به العقد وما لا فلا، لأن ما ليس له حد شرعا ولا لغة يرجع فيه إلى العرف، فإن كانا في دار كبيرة فبالخروج من البيت إلى الصحن أو من الصحن إلى الصفة أو البيت، وإن كانا في سوق أو صحراء أو في بيت متفاحش السعة فبأن يولي أحدهما الآخر ظهره ويمشي قليلا ولو لم يبعد عن سماع خطابه، وإن كانا في سفينة أو دار صغيرة أو مسجد صغير فبخروج أحدهما منه أو صعوده السطح. ولا يحصل التفرق بإقامة ستر ولو ببناء جدار بينهما، لأن المجلس باق. وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين أن يبنياه أو يبنى بأمرهما، وهو كذلك كما صححه والد الروياني واعتمده شيخي وإن جزم الغزالي بالحصول، وقال الأذرعي: وهو المتجه. ولو تناديا بالبيع من بعد ثبت لهما الخيار وامتد ما لم يفارق أحدهما مكانه، فإن فارقه ووصل إلى موضع لو كان الآخر معه بمجلس العقد عد تفرقا بطل خيارهما. وقول ابن الرفعة: هذا إذا لم يقصد جهة الآخر وإلا فالذي يظهر القطع بدوام الخيار، ليس بظاهر.
وتقدم في أوائل البيع حكم ما لو تبايعا بالمكاتبة. (ولو مات) أحدهما (في المجلس أو جن) أو أغمي عليه (فالأصح انتقاله) أي الخيار في المسألة الأولى، (إلى الوارث) ولو عاما (و) في الثانية والثالثة إلى (الولي) من حاكم أو غيره إلى الموكل عند موت الوكيل وإلى السيد عند موت المكاتب أو المأذون له كخيار الشرط والعيب سواء فيه عقد الربا أو غيره. فإن كان الوارث طفلا أو مجنونا أو محجورا عليه بسفه نصب الحاكم من يفعل عنه ما فيه المصلحة من فسخ وإجازة. وعجز المكاتب كموته كما في المجموع. ثم إن كان من ذكر في المجلس ثبت له مع العاقد الآخر الخيار وامتد إلى أن يتفرقا أو
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429