المعتمد كما تقدم في بابه. (و) يبطل أيضا خيار المجلس (بالتفرق ببدنهما) عن مجلس العقد للخبر السابق. (فلو طال مكثهما أو قاما وتماشيا منازل دام خيارهما) وإن زادت المدة على ثلاثة أيام أو أعرضا عما يتعلق بالعقد، حتى لو تبايع شخصان ملتصقان دام خيارهما ما لم يختارا أو أحدهما، بخلاف الأب إذا باع لابنه أو اشترى منه وفارق المجلس انقطع الخيار، لأنه شخص واحد لكن أقيم مقام اثنين، بخلاف الملتصقين فإنهما شخصان حقيقة بدليل أنهما يحجبان الام من الثلث إلى السدس.
ويحصل التفرق بأن يفارق أحدهما الآخر من المجلس ولو ناسيا أو جاهلا وإن استمر الآخر فيه، لأن التفرق لا يتبعض بخلاف التخاير. وكان ابن عمر راوي الخبر: إذا ابتاع شيئا فارق صاحبه، رواه البخاري، وروى مسلم: قام يمشي هنيهة ثم رجع. فإن قيل: قضية ذلك حل الفراق خشية أن يستقيله صاحبه، وقد قال (ص) كما رواه الترمذي وحسنه: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار. ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله. أجيب بأن الحل في الخبر محمول على الإباحة المستوية الطرفين. ولو حمل أحد العاقدين فأخرج من المجلس مكرها بغير حق لم ينقطع خياره لأنه لم يفعل شيئا، وكذا لا ينقطع خياره إذا أكره على الخروج ولو لم يسد فمه لأن الفعل المكره فعل كلا والسكوت عن الفسخ لا يقطع الخيار كما في المجلس. فإن قيل: قد مر أن الناسي والجاهل ينقطع خيارهما مع تسويتهما للمكره في أبواب كثيرة.
أجيب بنسبتهما للتقصير هنا بخلاف المكره، فإن فارقه الاكراه في مجلس فله الخيار فيه حتى يفارقه، أو مارا فحتى يفارق مكانه الذي انقطع فيه الاكراه، وأما صاحبه فإن لم يخرج معه انقطع خياره إلا إن منع من الخروج معه. ولو هرب أحدهما ولم يتبعه الآخر بطل خياره كخيار الهارب، ولو لم يتمكن من أن يتبعه لتمكنه من الفسخ بالقول، ولان الهارب فارق مختارا بخلاف المكره فإنه لا فعل له. وقضية التعليل الأول أنه لو لم يتمكن من الفسخ بالقول بقي خياره حتى يتمكن منه.
فإن قيل: قياس ما قالوه في الايمان أنه لو حلف لا يفارق غريمه ففارقه غريمه لم يحنث وإن أمكنه متابعته، أن يكون الحكم هنا كذلك. أجيب بأن الحكم هنا منوط بالتفرق وهو يحصل بوجود الفرقة من كل منهما، وهناك منوط بالمفارقة من الحالف، نعم لو قال والله لا تفترق كان الحكم كما هنا، أما إذا تبعه فالخيار باق ما لم يتباعدا كما حكاه في المجموع عن المتولي وأقره. ويبين هذا التباعد قول البسيط: إن لحقه قبل انتهائه إلى مسافة يحصل بمثلها المفارقة عادة فالخيار باق وإلا فلا أثر للحوقه. ويحمل على هذا أيضا ما نقله في الكفاية عن القاضي من ضبطه يفوق ما بين الصفين، فالمراد من هذه العبارات واحد. (ويعتبر في التفرق العرف) فما يعده الناس تفرقا يلزم به العقد وما لا فلا، لأن ما ليس له حد شرعا ولا لغة يرجع فيه إلى العرف، فإن كانا في دار كبيرة فبالخروج من البيت إلى الصحن أو من الصحن إلى الصفة أو البيت، وإن كانا في سوق أو صحراء أو في بيت متفاحش السعة فبأن يولي أحدهما الآخر ظهره ويمشي قليلا ولو لم يبعد عن سماع خطابه، وإن كانا في سفينة أو دار صغيرة أو مسجد صغير فبخروج أحدهما منه أو صعوده السطح. ولا يحصل التفرق بإقامة ستر ولو ببناء جدار بينهما، لأن المجلس باق. وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين أن يبنياه أو يبنى بأمرهما، وهو كذلك كما صححه والد الروياني واعتمده شيخي وإن جزم الغزالي بالحصول، وقال الأذرعي: وهو المتجه. ولو تناديا بالبيع من بعد ثبت لهما الخيار وامتد ما لم يفارق أحدهما مكانه، فإن فارقه ووصل إلى موضع لو كان الآخر معه بمجلس العقد عد تفرقا بطل خيارهما. وقول ابن الرفعة: هذا إذا لم يقصد جهة الآخر وإلا فالذي يظهر القطع بدوام الخيار، ليس بظاهر.
وتقدم في أوائل البيع حكم ما لو تبايعا بالمكاتبة. (ولو مات) أحدهما (في المجلس أو جن) أو أغمي عليه (فالأصح انتقاله) أي الخيار في المسألة الأولى، (إلى الوارث) ولو عاما (و) في الثانية والثالثة إلى (الولي) من حاكم أو غيره إلى الموكل عند موت الوكيل وإلى السيد عند موت المكاتب أو المأذون له كخيار الشرط والعيب سواء فيه عقد الربا أو غيره. فإن كان الوارث طفلا أو مجنونا أو محجورا عليه بسفه نصب الحاكم من يفعل عنه ما فيه المصلحة من فسخ وإجازة. وعجز المكاتب كموته كما في المجموع. ثم إن كان من ذكر في المجلس ثبت له مع العاقد الآخر الخيار وامتد إلى أن يتفرقا أو