مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٣٩
الأب والام حرم التفريق بينه وبينها وحل بينه وبين الأب، أو اجتمع الأب والجدة للأم عند فقد الام فهما سواء فيباع مع أيهما كان كما هو قضية كلام الحاوي الصغير، والجدة للأم كالأم عند عدمها لا عند وجودها على الأصح. وفي الجدات والأجداد للأب عند فقد الأبوين وأم الام ثلاثة أوجه حكاها الشيخان في باب السير من غير ترجيح، ثالثها: جواز التفريق في الأجداد دون الجدات لأنهم أصلح للتربية. قال الولي العراقي: ويظهر تصحيح المنع وهو الذي أورده الروياني و الجرجاني، وأما الجد للام فقال المتولي: إنه كالجد للأب، وقال الماوردي: إنه كسائر المحارم. والأقرب كما قال السبكي الأول.
ولا يحرم التفريق بينه وبين سائر المحارم كالأخ والعم وإن قوى السبكي التحريم بينه وبينهم. (وإذا فرق) بين الولد بعد سقيه اللبأ وبين من يمتنع التفريق بينه وبينه، (ببيع أو هبة بطلا في الأظهر) لعدم القدرة على التسليم شرعا. والثاني: لا، لأن النهي للاضرار لا للخلل في نفس المبيع، وعلى هذا لا نقرهما على التفريق، بل إن تراضيا على ضم أحدهما إلى الآخر استمر العقد وإلا فسخ كما قالاه. ويجري القولان في جميع أنواع التمليك، وأما قبل سقيه اللبأ فيبطل جزما. ويستثنى من الأول ما لو كان المبيع ممن يحكم بعتقه على المشتري، فالظاهر كما قال الأذرعي وغيره عدم التحريم وصحة البيع لتحصيل مصلحة الحرية، ولما مر من جواز التفريق الاعتاق. ويحرم بيع بعض أحدهما فقط وبيع أحدهما مع بعض الآخر وبيع بعض كل منهما عند عدم التساوي، فإن تساوى البعضان كأن باع نصفهما معا جاز كما دل عليه كلام الرافعي في السير. وألحق الغزالي التفريق بالسفر بالتفريق بالبيع، وطرده في التفريق بين الزوجة وولدها وإن كانت حرة بخلاف المطلقة لا يحرم لامكان صحبتها له. ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو ملك كافر صغيرا وأبويه وهما كافران ثم أسلم الأب وتخلفت الام فإن الولد يتبعه ويؤمر بإزالة الملك عنهما دونها، قاله صاحب الاستقصاء. وينبغي أنه لو مات الأب أن يباع الولد للضرورة كما قاله بعض المتأخرين. قال الأذرعي: ومثله ما لو تبع الطفل السابي في الاسلام ثم ملك أمه الكافرة فله بيع أحدهما دون الآخر فيما يظهر اه‍. وهذا ممنوع، لأن الأصحاب لم يفرقوا بين الام المسلمة والكافرة، والتفريق وجه حكاه الدارمي، وإنما فرق في الصورة المتقدمة للضرورة.
تنبيه: قوله: (بطلا)، قال الأسنوي: كان الأحسن إسقاط الألف منه، فإن الأفصح في الضمير الواقع بعد أو أن يؤتى به مفردا، يقول: إذا لقيت زيدا أو عمرا فأكرمه، وقال الولي العراقي: والصواب حذف الألف اه‍. والأولى ما قاله الزركشي من أنه إنما ثنى الضمير لأن أو للتنويع، فهو نظير قوله تعالى: * (إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما) *. ثم شرع في الصورة الثانية، فقال: (ولا يصح بيع العربون) وهو (بأن يشتري) سلعة (ويعطيه دراهم) مثلا (لتكون من الثمن إن رضي السلعة وإلا فهبة) بالنصب، للنهي عنه، رواه أبو داود وغيره، ولان فيه شرطين فاسدين أحدهما: شرط الهبة، والثاني: شرط الرد على تقدير أن لا يرضى.
تنبيه: في العربون ست لغات: فتح العين والراء، وهي الفصيحة. وضم العين وإسكان الراء، وعربان بالضم والاسكان، وإبدال العين همزة مع الثلاثة. وهو أعجمي معرب، وأصله في اللغة التسليف والتقديم.
فائدة: البيع ينقسم إلى الأحكام الخمسة: وهي الواجب والحرام والمندوب والمكروه والمباح، فالواجب كبيع الولي مال اليتيم إذا تعين بيعه، وبيع القاضي مال المفلس بشروطه. وأما بيع الماء لمحتاجه والطعام من المضطر، فالواجب فيهما التمليك لا البيع نفسه، وبعضهم أدرجهما في البيع الواجب. وأما الحرام فغالب ما ذكره المصنف في هذا الفصل والذي قبله. وأما المندوب فكالبيع بالمحاباة وبيع الطعام زمن الغلاء ونحوه. وأما المكروه فكبيع دور مكة والبيع ممن أكثر ماله حرام أو فيه حرام ولم يتحقق أن المأخوذ من الحرام، وإلا فحرام، وبيع المصحف، قيل: وثمنه يقابل الدفتين، لأن كلام الله لا يباع، وقيل: إنه بدل أجرة نسخه، حكاهما الرافعي عن الصيمري. وبيع العينة، وهي بكسر المهملة وإسكان التحتية وبالنون: أن يبيعه عينا بثمن كثير مؤجل ويسلمها له ثم يشتريها منه بنقد يسير ليبقى الكثير في ذمته.
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429