وشمل التعريف الردئ نوعا، أما الردئ عيبا فليس بمثلي لأنه لا يجوز السلم فيه. فإن قيل: يرد على هذا الحد القمح المختلط بالشعير فإنه لا يجوز السلم فيه مع أن الواجب فيه المثل فيخرج القدر المحقق منهما. أجيب بأن إيجاب رد مثله لا يستلزم كونه مثليا كما في إيجاب رد مثل المتقوم في القرض، وبأن امتناع السلم في جملته لا يوجب امتناعه في جزأيه الباقيين بحالهما، ورد المثل إنما هو بالنظر إليهما والسلم فيهما جائز. قال الزركشي: وقد يمنع رد مثله لأنه بالاختلاط انتقل من المثلي إلى المتقوم لجهل بالقدر، لكن أورد عليه خل التمر فإنه متقوم ويحصره الكيل أو الوزن ويجوز السلم فيه.
ثم شرع في أمثلة يتضح بها الضابط، فقال: (كماء) قال في المطلب: بارد، إذ الحار متقوم لدخول النار فيه. قال الأذرعي:
وهذا يطرق غيره من المائعات، وعلى هذا فهو خارج بقولهم وجاز السلم فيه لكن في الكفاية في باب الربا عن الإمام أنه يجوز بيع الماء المسخن بعضه ببعض اه. وهذا هو المعتمد. (وتراب) ورمل (ونحاس) بضم النون بخطه، وحكي كسرها، وحديد (وتبر) وهو الذهب الخارج من المعدن الخالص عن ترابه قبل أن يصاغ، وبعضهم أطلقه على الفضة أيضا، وأطلقه الكسائي على الحديد والنحاس. (ومسك) وعنبر (وكافور) وثلج وجمد (وقطن) ولو بحبه كما صرح به الرافعي في السلم. قال الأسنوي: ولم يستحضر في المطلب ما قاله الرافعي هناك، فقال: أما قبل نزع حبه فالذي يظهر القطع بأنه متقوم، وأما الصوف فقال الشافعي: يضمن بالمثل إن كان له مثل. قيل: وهذا توقف منه في أنه مثلي أم لا، ومع هذا فهو كالقطن. (وعنب) ورطب وسائر الفواكه الرطبة على الأصح في الشرح والروضة، وهذا هو المعتمد، وإن صححا فيهما في باب زكاة المعشرات عن الأكثرين: أن الرطب والعنب غير مثليين، وتقدم الكلام عليهما هناك.
(ودقيق) ونخالة كما في فتاوى ابن الصلاح، وكذا الحبوب الجافة والادهان والألبان والخلول التي ليس فيها ماء والسمن والمخيض والدراهم والدنانير الخالصة والمغشوشة والمكسرة والسبيكة، (لا غالية ومعجون) لأنهما مختلطان من أجزاء مختلفة، فهما مما خرج بقيد جواز السلم. (فيضمن المثلي بمثله) لأنه أقرب إلى حقه، ولان المثل كالنص لأنه محسوس والقيمة كالاجتهاد. (تلف أو أتلف) زاد في المحرر: تحت اليد العادية، لقوله لها في أول الفصل، فحذفها المصنف فورد عليه المستعير والمستام فإنهما يضمنان المثلي بالقيمة كما تقدم التنبيه عليه في المستعير، فكان الأحسن ذكره هنا وحذفه هناك، لكن لما كان كلامه في الغصب استغنى عن ذلك.
تنبيه: استثني من ذلك مسائل: إحداها إذا خرج المثلي عن أن يكون له قيمة كمن غصب جمدا في الصيف أو ماء في مفازة وتلف أو أتلفه هناك بلا غصب ثم اجتمع المالك والغاصب أو المتلف في الشتاء في الأولى أو على ماء نهر في الثانية لزمه قيمة المثل في الصيف في الأولى وفي مثل تلك المفازة في الثانية، ثم إذا اجتمعا في الصيف أو في مثل تلك المفازة فلا تراد.
ثانيها: لو غصب مثليا له مؤنة كأن نقل المالك برا من مصر إلى مكة ثم غصبه شخص هناك ثم طالبه مالكه به في مصر، فإنه يلزمه قيمته بمكة كما أفتى به شيخي لأجل المؤنة. ثالثها: لو صار المثلي متقوما كجعله الدقيق خبزا أو صار المتقوم مثليا كجعله الشاة لحما أو صار المثلي مثليا آخر كجعله السمسم شيرجا ثم تلف عنده أخذ المالك المثل في الثلاثة مخيرا في الثالث منها بين المثلين، إلا أن يكون الآخر أكثر قيمة فيؤخذ هو في الثالث وقيمته في الأولين، وهذا محل الاستثناء، أما لو صار المتقوم متقوما آخر كحلي صبغ من إناء غير ذهب ولا فضة فيجب فيه أقصى القيم كما يعلم مما يأتي في غير المثلي. رابعها: لو تراضيا على أخذ القيمة مع وجود المثل جاز في أحد وجهين، قطع به المتولي وهو المعتمد كما رجحه ابن المقري، فعلى هذا لا يتعين ضمان المثلي بالمثل إلا إذا لم يرض مالكه بأخذ القيمة. خامسها: لو غصب مثليا وتلف ثم ظفر بالغاصب في غير بلد التلف على ما سيأتي. سادسها: إذا وجده بأكثر من ثمن مثله لأن وجوده بأكثر من ثمن مثله كالمعدوم، ولو غصب حليا من ذهب وزنه عشرة دنانير مثلا وقيمته عشرون دينارا أو تلف ضمن التبر بمثله لأنه مثلي كما مر، والصنعة بقيمتها لأنها متقومة من نقد البلد، وإن كان من جنس الحلي ولا ربا لاختصاصه بالعقود، وهذا ما نقله في أصل الروضة عن البغوي