مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ١٩٧
أو ثبتت ببينة) يقيمها العبد أو شهدت حسبة، (بطلت الحوالة) لأنه بان أن لا ثمن حتى يحال به، فيرد المحتال ما أخذه على المشتري ويبقى حقه كما كان، وهكذا كل ما يمنع صحة البيع ككونه مستحقا. ومحل إقامة العبد البينة إذا تصادق المتبايعان بعد بيعه لآخر كما صورها القاضي أبو الطيب، إذ لا يتصور إقامته لها قبل بيعه لأنه محكوم بحريته بتصادقهما، فإن لم يصدق المحتال فلا تسمع دعواه ولا بينته، نبه عليه ابن الرفعة وغيره. ومثله شهادة الحسبة لأنها إنما تقام عند الحاجة ولا حاجة قبل البيع. ولا يتصور أن يقيم البينة بالحرية المتبايعان لأنهما كذباها بالبيع، كذا قالاه هنا، وذكر في آخر كتاب الدعوى أنه لو باع شيئا ثم ادعى أنه كان وقفا عليه أو أنه باعه وهو لا يملكه ثم ملكه، إن قال حين باع: هو ملكي لم تسمع دعواه ولا بينته وإن لم يقل ذلك سمعت كما نص عليه في الام. قال العراقيون: وغلط الروياني من قال بخلافه اه‍. ويمكن حمل ما هنا على ما هناك، ومحل الخلاف كما بحثه الزركشي وغيره إذا لم يذكر البائع تأويلا، فإن ذكره كأن قال: كنت أعتقه ونسيت أو اشتبه علي سمعت قطعا، كنظيره فيما لو قال: لا شئ لي على زيد ثم ادعى عليه دينا.
تنبيه: المراد بالبطلان هنا عدم الصحة، لأن الحوالة لم يتقدم لها صحة بخلاف البطلان في الرد بالعيب ونحوه فإنه بطريق الانفساخ. (وإن كذبهما المحتال) في الحرية (ولا بينة حلفاه على نفي العلم) بها، لأن هذه قاعدة الحلف على النفي الذي لا يتعلق به فيقول: والله لا أعلم حريته. وعبارته قد توهم توقف الحلف على اجتماعهما، والموافق للقواعد أنه يحلف لمن استحلفه منهما، أما البائع فلغرض بقاء ملكه في الثمن، وأما المشتري فلغرض رفع المطالبة. لكنه إذا حلفه أحدهما لم يحلفه الثاني كما قال شيخي إنه الأوجه، لأن خصومتهما واحدة، وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين. (ثم) بعد حلفه (يأخذ المال من المشتري) لبقاء الحوالة ثم يرجع به المشتري على البائع في أحد وجهين يظهر ترجيحه كما رجحه الرافعي في الشرح الصغير وجرى عليه ابن المقري، لأنه قضى دينه بإذنه الذي تضمنته الحوالة. ورجح البغوي الوجه الآخر لأنه يقول ظلمني المحتال بما أخذه، والمظلوم لا يرجع إلا على ظالمه، فإن نكل المحتال عن اليمين حلف المشتري على الحرية. وتبين بطلان الحوالة بناء على أن اليمين المردودة كالاقرار، أما إذا جعلناها كالبينة إذ لا فائدة في التحليف كما قاله ابن الرفعة. (ولو قال المستحق عليه) للمستحق (وكلتك لتقبض لي) ديني من فلان، (وقال المستحق أحلتني) به. (أو قال) الأول (أردت بقولي أحلتك) به (الوكالة وقال المستحق بل أردت) بذلك (الحوالة صدق المستحق عليه بيمينه) لأنه أعرف بإرادته، والأصل بقاء الحقين.
قال البلقيني: ومن هذا يؤخذ أن أحلتك فيما يذكر كناية وقد قدمت ما فيه، وعلى كلامه لو لم يكن له إرادة فلا حوالة ولا وكالة. (وفي الصورة الثانية وجه) بتصديق المستحق بيمينه لأن الظاهر منعه. ومحل الخلاف إذا قال: أحلتك بمائة على زيد ونحو ذلك، أما إذا قال: أحلتك بالمائة التي لك علي بالمائة التي لي على زيد، فالقول قول المستحق قطعا لأن ذلك لا يحتمل غير الحوالة.
تنبيه: أشار المصنف بقوله: المستحق والمستحق عليه إلى أن صورة المسألة أن يتفقا على الدين، فلو أنكر مدعي الوكالة الدين في الحالة الأولى صدق بيمينه قطعا، وكذا في الثانية عند الجمهور. فإذا حلف المستحق عليه في الصورتين الأولتين واندفعت الحوالة: إنكار الآخر الوكالة انعزل فليس له قبض، فإن كان قد قبض المال قبل الحلف برئ الدافع له لأنه محتال أو وكيل ووجب تسليمه للحالف إن كان باقيا وبدله إن كان تالفا وحقه عليه باق. فإن خشي امتناع الحالف من تسليم حقه له كان له في الباطن أخذ المال وجحد الحالف لأنه ظفر بجنس حقه من مال الحالف وهو ظالمه. ولو تلف المقبوض مع القابض بلا تفريط منه لم يطالبه الحالف لزعمه الوكالة والوكيل أمين، ولم يطالب هو الحالف لزعمه الاستيفاء.
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429