من اجتماعهما عليه، ولذلك قلت مع موافقة الآخر. ولم يرد المصنف بيان الشارط لوضوحه كما قاله الأسنوي، فإنه لا يكون إلا منهما. وإنما أراد بيان المشروط له، لكن عبارته لا توفي بمقصوده، فلو قال: يجوز شرطهما الخيار لهما ولأحدهما لأفاد مقصوده، ولكن يمكن رد عبارته إلى الصواب كما قاله الولي العراقي بأن لا يجعل قوله لهما ولأحدهما خبرا عن قوله شرط الخيار وإنما هو متعلق بالخيار والخبر قوله: (في أنواع البيع) أي شرط الخيار الكائن لهما أو لأحدهما ثابت في أنواع البيع. ومع ذلك فعبارته توهم أنه لا يجوز شرطه لأجنبي، وتوهم جواز اشتراط وكيل البائع الخيار للمشتري وجواز اشتراط وكيل المشتري الخيار للبائع، وليس مرادا كما علم مما تقرر. وعلم من تقييده بالبيع أنه لا يشرع في غيره كالفسوخ والعتق والابراء والنكاح والإجارة وهو كذلك. (إلا أن يشترطا القبض في المجلس كربوي وسلم) فلا يجوز شرط الخيار فيه لاحد، لأنه لا يحتمل التأجيل، والخيار أعظم غررا منه لا مانع من الملك أو من لزومه.
تنبيه: إنما ذكر المصنف مثالين لينبه على أنه لا فرق بين ما يشترط فيه القبض من الجانبين كالربوي أو من أحدهما فقط كالسلم. وأورد على حصره فيما ذكر مسائل: منها البيع الضمني. ومنها الحوالة إذا جعلناها بيعا. ومنها ما إذا اشترى من يعتق عليه كما مر. ومنها المصراة فإنه لا يجوز شرط خيار الثلاث فيها للبائع لأنه يمنع من الحلب وترك الحلب يضر بالبهيمة. قال الأذرعي: ويجب طرده في كل حلوب وإن لم تكن مصراة، إذ تركها ثلاثا بلا حلب يضرها بلا شك وإن كانت المصراة أشد ضررا. فإن قيل: لك أن تقول ما المانع من حلب البائع لها إذا كان الخيار له، لأن الملك له حينئذ، واللبن في زمن الخيار لمن له الملك؟ أجيب بأن اللبن الموجود حال البيع مبيع، فهو كالحمل الموجود عند البيع فيمتنع على البائع الحلب لذلك، والبائع إنما يملك لو تم البيع للبن الحادث بعد العقد كالولد الحادث بعده. ومنها ما إذا باع الكافر عبده المسلم بشرط الخيار ثم فسخ ثم باعه وشرط الخيار وفسخ وهكذا، فإن الحاكم يلزمه أن يبيع بيعا باتا كما قاله المتولي، وقضيته جواز الخيار للكافر في العبد المسلم ابتداء، وهو ما نقله في المجموع عن القاضي حسين وأقره.
فإن قيل: قد أتى المصنف بالكاف في قوله: كربوي وسلم فيقتضي أن لنا غيرهما يشترط فيه قبض العوض في المجلس ولم يوجد. أجيب بالمنع، فإن الإجارة على عمل في الذمة يشترط قبض الأجرة فيها في المجلس. (وإنما يجوز) شرط الخيار (في مدة معلومة) متصلة بالعقد المشروط فيه الخيار، متوالية (لا تزيد على ثلاثة أيام) لأن الأصل امتناعه لكونه مخالفا لوضع البيع فإنه يمنع نقل الملك أو لزومه ثبت في الثلاث بما روي في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما:
أن رجلا من الأنصار كان يخدع في البيوع فشكا إلى رسول الله (ص)، فقال له: إذا بايعت فقل لاخلابة، وفي رواية: فقل لا خلابة وأنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال والخلابة بكسر الخاء المعجمة وبالباء الموحدة، ومعناه: لا غبن ولا خديعة، فثبت خيار المشتري بالنص، وألحق به البائع بالقياس عليه، فبقي ما زاد على الأصل. وهذه الكلمة في الشرع عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثا، فإذا كانا عالمين بمدلولها كان كالتصريح باشتراط الخيار، وإن كانا جاهلين به أو أحدهما لم يثبت الخيار. وفي مصنف عبد الرزاق عن أنس: أن رجلا اشترى من رجل بعيرا واشترط الخيار أربعة أيام، فأبطل رسول الله (ص) البيع، وقال: الخيار ثلاثة أيام. ولان الحاجة تندفع بها غالبا، فلو زاد عليها بطل العقد. ولا يخرج على تفريق الصفقة لوجود الشرط الفاسد وهو مبطل للعقد لأن الشرط يتضمن غالبا زيادة في الثمن أو محاباة، فإذا سقطت انجرت الجهالة إلى الثمن بسبب ما يقابل الشرط الفاسد فيفسد البيع، فلهذا لم يصح الشرط في الثلاث ويبطل ما زاد عليها، وقد نبهت على استثناء ذلك في الكلام على تفريق الصفقة. فإن شرط الثلاث من الغد أو فرقها لم يصح العقد لأن العقد إذا لزم لا يصير بعد ذلك جائزا. ويدخل في الأيام المشروطة ما اشتملت عليه من الليالي للضرورة كما في المجموع، ومقتضى هذه العلة كما قاله الأسنوي أنه لو عقد وقت الفجر