حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها للشاة التي أهديت إليه يعني المسمومة بخيبر، وهذا أصل لما يفعله الملوك في ذلك ويلحق بهم من في معناهم. فإن قيل: كيف كان النبي (ص) يفعل ذلك وقد قال الله تعالى: * (والله يعصمك من الناس) *؟. أجيب بأن ذلك كان قبل نزول الآية، أو أن العصمة لا تنافي تعاطي الأسباب، كما أن إخباره تعالى بأنه يظهره على الدين كله لا ينافي جهاده وأمره بالقتال، فمن تمام التوكل كما قاله بعض السلف سلوك الأسباب والاعتماد على رب الأرباب.
كتاب اللقطة بضم اللام وفتح القاف. وحكى ابن مالك فيها أربع لغات: لقاطة، ولقطة بضم اللام وسكون القاف، ولقطة بضم اللام وفتح القاف، ولقط بفتح اللام والقاف بلا هاء، ونظمها في بيت، فقال:
لقاطة ولقطة ولقطه * ولقط لاقط قد لقطه ويقال اللقطة بفتح القاف اسم للملتقط بكسرها أيضا. وهي لغة: ما وجد على تطلب، قال تعالى: * (فالتقطه آل فرعون) *.
وشرعا: ما وجد في موضع غير مملوك من مال أو مختص ضائع من مالكه سقوط أو غفلة ونحوها لغير حربي ليس بمحرز ولا ممتنع بقوته ولا يعرف الواجد مالكه. فخرج بغير المملوك ما وجد في أرض مملوكة، فإنه لمالك الأرض إن ادعاه، وإلا فلمن ملك منه، وهكذا حتى تنتهي إلى المحي، فإن لم يدعه فحينئذ يكون لقطة. وبسقوط أو غفلة ما إذا ألقت الريح ثوبا في حجره مثلا أو ألقى في حجره هارب كيسا ولم يعرفه فهو مال ضائع يحفظه ولا يتملكه. وفرقوا بينها وبين المال الضائع، بأن الضائع ما يكون محرزا بحرز مثله كالموجود في مودع الحاكم وغيره من الأماكن المغلقة ولم يعرف مالكه، واللقطة ما وجد ضائعا بغير حرز. واشتراط الحرز فيه دونها إنما هو للغالب، وإلا فمنه ما لا يكون محرزا كما مر في إلقاء الهارب، ومنها ما يكون محرزا كما لو وجد درهما في أرض مملوكة أو في بيته ولا يدري أو هو له أو لمن دخل بيته، فعليه كما قال القفال أن يعرفه لمن يدخل بيته. وبغير حربي ما وجد بدار الحرب وليس بها مسلم فهو غنيمة يخمس وليس لقطة، وما خرج ببقية الحد واضح. ودخل فيه صحة التقاط الهدي، وفائدته جواز التصرف فيه بالنحر بعد التعريف والموقوف، وفائدته تملك منافعه بعد التعريف.
ويرد عليه ولد اللقطة فإنه ليس بضائع، والركاز الذي هو دفين الاسلام يصح لقطة وليس مالا ضائعا، والخمر غير المحترمة فيصح التقاطها ولا مال ولا اختصاص. وإنما ذكر المصنف اللقطة بعد الهبة لأن كلا منهما تمليك بلا عوض، وذكرهما في التنبيه بعد إحياء الموات لأن كلا منهما تمليك من الشارع، ولو ذكرت عقب القرض لكان مناسبا، لأنه يسلك بها مسلكه، والشرع أقرضه الملتقطة. والأصل فيها قبل الاجماع الآيات الآمرة بالبر والاحسان، إذ في أخذها للحفظ والرد بر وإحسان، وخبر الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني. أن النبي (ص) سئل عن لقطة الذهب أو الورق، فقال: أعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن لم تعرفها فاستنفقها ولتكن وديعة عند ك، فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه وإلا فشأنك بها، وسئل عن ضالة الإبل فقال، ما لك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها، وسئل عن الشاة فقال: خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب. وفي الالتقاط معنى الأمانة والولاية من حيث أن الملتقط أمين فيما التقطه والشرع ولاه حفظه كالولي في مال الطفل، وفيه معنى الاكتساب من حيث أن له التملك بعد التعريف، وهو المغلب لأنه مآل الامر.
وأركانها ثلاثة: التقاط وملتقط بكسر القاف وملتقط بفتحها. وقد شرع في الأول، فقال: (يستحب الالتقاط لواثق بأمانة نفسه) وهو ظاهر نص المختصر لما فيه من البر، وفي خبر مسلم: والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.