(فلو مات أحدهما) أي الواهب أو الموهوب له (بين الهبة والقبض) لم ينفسخ العقد، و (قام وارثه مقامه) أي وارث الواهب في الاقباض والاذن في القبض ووارث المتهب في القبض. (وقيل ينفسخ العقد) لجوازه كالوكالة. وأجاب الأول بأنها تؤول إلى اللزوم فلم ينفسخ بالموت كالبيع الجائز، بخلاف الوكالة. ويجري الخلاف في الجنون والاغماء ويقبضان إذا أفاقا، ولولي المجنون قبضها قبل الإفاقة.
فرع: لو رجع الواهب الشامل لمهدي والمتصدق أو وارثه في الاذن في القبض أو مات هو أو المتهب قبل القبض فيهما بطل الاذن فليس للرسول إيصال الهبة إلى المتهب أو وارثه إلا بإذن جديد، وينبغي كما قال الزركشي أن يكون جنون الواهب وإغماؤه والحجر عليه كذلك. (ويسن للوالد) وإن علا (العدل في عطية أولاده بأن يسوي بين الذكر والأنثى) لخبر الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: وهبني أبي هبة فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله (ص)، فأتى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله إن أم هذا أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها، فقال (ص): يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، قال:
كلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا، قال: فارجعه وفي رواية للبخاري: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم وفي لفظ مسلم قال: فأشهد على هذا غيري وفي لفظ لأحمد: لا تشهدني على جور إن لبنيك من الحق أن تعدل بينهم، ولئلا يفضي بهم الامر إلى العقوق أو التحاسد.
تنبيه: قضية كلام المصنف أن ترك هذا خلاف الأولى، والمجزوم به في الرافعي الكراهة وهو المعتمد، بل قال ابن حبان في صحيحه: إن تركه حرام، ويؤيده رواية: لا تشهدني على جور وأكثر العلماء على أنه لا يجب، وحملوا الحديث على الاستحباب لرواية: فأشهد على هذا غيري ولان الصديق رضي الله تعالى عنه فضل عائشة رضي الله عنها على غيرها من أولاده، وفضل عمر رضي الله تعالى عنه ابنه عاصما بشئ، وفضل عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما بعض ولده على بعض. (وقيل كقسمة الإرث) فيضعف حظ الذكر كالميراث كما أعطاهم الله تعالى وهو خير الحاكمين. وأجاب الأول بأن الوارث رضي بما فرض الله له بخلاف هذا، بل قيل: إن الأولى أن تفضل الأنثى، حكاه ابن جماعة المقدسي في شرح المفتاح، لأن الذكر والأنثى إنما يختلفان في الميراث بالعصوبة، فأما إذا كان بالرحم فهما سواء كالاخوة والأخوات من الام. ولو كان في أولاده خنثى فحكمه حكم الذكر لا الأنثى حتى يجري فيه الوجهان، قاله في المجموع في نواقض الوضوء، قال الزركشي: وهو خلاف قياس الميراث من وقف المشكوك فيه.
تنبيه: محل الكراهة عند الاستواء في الحاجة أو عدمها وإلا فلا كراهة، وعلى ذلك يحمل تفصيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم فيما مر، ويستثنى العاق والفاسق إذا علم أنه يصرفه في المعاصي فلا يكره حرمانه. ويسن أيضا أن يسوي الولد إذا وهب لوالديه شيئا، ويكره له ترك التسوية كما مر في الأولاد، فإن فضل أحدهما فالأم أولى لخبر:
إن لها ثلثي البر والاخوة ونحوهم لا يجري فيهم هذا الحكم، ولا شك أن التسوية بينهم مطلوبة لكن دون طلبها في الأصول والفروع. روى البيهقي في الشعب عن سعيد بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي (ص) قال: حق كبير الاخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده وفي رواية: الأكبر من الاخوة بمنزلة الأب. (وللأب الرجوع) على التراخي (في هبة ولده) الشاملة للهدية والصدقة، وكذا لبعضها كما فهم بالأولى من دون حكم حاكم.
(وكذا لسائر الأصول) من الجهتين ولو مع اختلاف الدين، (على المشهور) سواء أقبضها الولد أم لا، غنيا كان أو فقيرا، صغيرا أو كبيرا، لخبر: لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده.
رواه الترمذي والحاكم وصححاه. والوالد يشمل كل الأصول إن حمل اللفظ على حقيقته ومجازه وإلا ألحق به بقية