قبل اشتداد الحب. ومنها ما لو وهب الأرض مع بذر أو زرع لا يفرد بالعقد، فإن الهبة تصح في الأرض وتفرق الصفقة هنا على الأرجح، والجهالة في البذر لا تضر في الأرض إذ لا ثمن ولا توزيع. ومنها ما لو باع المتحجر ما تحجره لم يصح على الأصح، لأن حق التملك لا يباع وتجوز هبته، قال الدارمي: ولو وهب مرهونا أو كلبا ولو معلما أو خمرا ولو محترمة، أو جلد ميتة قبل الدباغ أو دهنا نجسا لم يصح كالبيع، وما قاله في الروضة في باب الأواني من أن جلد الميتة قبل الدباغ تصح هبته محمول على نقل اليد لا على التمليك كما صرح هنا بأن هبته لا تصح. (وهبة الدين للمدين إبراء) له منه لا يحتاج قبولا نظرا للمعنى.
تنبيه: قضية كلام المصنف أن هبة الدين صريح في الابراء، وهو كذلك وإن قال في الذخائر إنه كناية، وترك الدين للمدين كناية إبراء. (و) هبته (لغيره) وهو من لا دين عليه (باطلة في الأصح) وعبر في الروضة بالمذهب لأنه غير مقدور على تسليمه وإنما يقبض من الديون عين لا دين، والقبض في الهبة إنما يكون فيما ورد العقد عليه. والثاني: صحيحة، ونقل عن نص الام وصححه جمع تبعا للنص كما مر في بيعه على ما صححه في الروضة، قيل: بل أولى. ووجه الأول وهو المعتمد أن هبة ما في الذمة غير صحيح، بخلاف بيع ما في الذمة فإنه يصح، ولهذا لم يختلف ترجيح الشيخين في بطلان هبة الدين لغير من هو عليه، واختلف في ترجيح البيع له، وعلى هذا يستثنى من طرد القاعدة لأنه يجوز بيعه ولا تجوز هبته.
فرع: تمليك المسكين الدين الذي عليه أو على غيره عن الزكاة لا يصح، لأن ذلك فيما عليه إبدال وهو لا يجوز، وفيما على غيره تمليك وهو لا يجوز أيضا. (ولا يملك موهوب) بالهبة الصحيحة غير الضمنية وذات الثواب الشاملة للهدية والصدقة (إلا بقبض) فلا يملك بالعقد لما روى الحاكم في صحيحه: أنه (ص) أهدى إلى النجاشي ثلاثين أوقية مسكا ثم قال لام سلمة: إني لا أرى النجاشي إلا قد مات ولا أرى الهدية التي قد أهديت إليه إلا تسترد فإذا ردت إلي فهي لك فكان كذلك، لأنه عقد إرفاق كالقرض فلا يملك إلا بالقبض. وخرج بالصحيحة الفاسدة فلا تملك بالقبض، والمقبوض بها غير مضمون كالهبة الصحيحة إذ الأصل أن فاسد كل عقد كصحيحه، وبغير الضمنية الضمنية، كما لو قال: أعتق عبدك عني مجانا، فإنه يعتق عنه ويسقط القبض في هذه الصورة كما يسقط القبول إذا كان التماس العتق بعوض كما ذكروه في باب الكفارة، وبغير ذات الثواب ذاته، فإنه إذا سلم الثواب استقل بالقبض لأنها بيع.
تنبيه: شمل كلامه هبة الأب لابنه الصغير أنها لا تملك إلا بالقبض، وهو كذلك كما هو مقتضى كلامه في البيع ونحوه، خلافا لما حكاه ابن عبد البر. ولا بد أن يكون القبض (بإذن الواهب) فيه إن لم يقبضه الواهب سواء أكان في يد المتهب أم لا، فلو قبض بلا إذن ولا إقباض لم يملكه ودخل في ضمانه سواء أقبضه في مجلس العقد أم بعده، ولا بد من إمكان السير إليه إن كان غائبا، وقد سبق بيان القبض في باب البيع قبل قبضه إلا أنه لا يكفي الاتلاف ولا الوضع بين يديه بغير إذنه لأنه غير مستحق القبض، فإن أذن له في الاكل أو العتق عنه فأكله أو أعتقه كان قبضا، بخلاف البيع والزيادة الحادثة من الموهوب قبل قبضه للواهب لبقائه عن ملكه. وقبض المشاع بقبض الجميع منقولا كان أو غيره، فإن كان منقولا ومنع من القبض شريكه ووكيله الموهوب له في قبض نصيبه صح، فإن لم يوكله الموهوب له قبض له الحاكم ويكون في يده لهما، ويصح بيع الواهب للموهوب قبل قبضه وإن ظن لزوم الهبة بالعقد. وليس الاقرار بالهبة ولو مع الملك إقرارا بقبض الموهوب لجواز أن يعتقد لزومها بالعقد، والاقرار يحمل على اليقين إلا إن قال:
وهبته له وخرجت منه إليه وكان في يد المتهب وإلا فلا، وقوله: وهبته وأقبضته له، إقرار بالهبة والقبض. ولو اختلفا في الاذن في القبض صدق الواهب، فإن اتفقا عليه وقال الواهب رجعت قبل أن يقبضه وقال المتهب بل بعده صدق المتهب بيمينه، لأن الأصل عدمه. ولو أقبضه وقال قصدت به الايداع أو العارية وأنكر المتهب صدق الواهب كما في الاستقصاء.