وعكسه حالة الحرب، وكذا ما يتلفه الحربيون علينا وما يتلفه العبد على سيده. وما لو أتلف العبد المرتد والمحارب وتارك الصلاة والحيوان الصائل بقتله بيد مالكه. ولو دخل دكان حداد وهو يطرق الحديد فطارت شرارة فأحرقت ثوبه كان هدرا، وإن دخل بإذن الحداد. وخرج بالاتلاف التلف فلا يضمنه، كما لو سخر دابة ومعها مالكها فتلفت لا يضمنها كما قاله في كتاب الإجارة إلا إذا كان السبب منه، كما لو اكترى لحمل مائة فحملت زيادة عليها وتلفت بذلك وصاحبها معها فإنه يضمن قسط الزيادة، وسيأتي بسط ذلك في باب الإجارة إن شاء الله تعالى. ثم شرع في الثاني وهو السبب، فقال: (ولو فتح رأس زق) بكسر الزاي وهو السقاء، (مطروح على الأرض فخرج ما فيه بالفتح) وتلف (أو) زق (منصوب فسقط بالفتح) لتحريكه الوكاء وجذبه، (وخرج ما فيه) وتلف أو بتقاطر ماء فيه وابتلال أسفله به، ولو كان التقاطر بإذابة شمس أو حرارة أو ريح مع مرور الزمان فسال ما فيه وتلف، (ضمن) لأنه باشر الاتلاف في الأولين والاتلاف ناشئ عن فعله في الباقي، سواء أحضر المالك وأمكنه التدارك فلم يفعل أم لا كما لو قتل عبده أو حرق ثوبه وأمكن الدفع فلم يفعل كما ذكره القمولي. واحترز بقوله: فخرج ما فيه بالفتح عما إذا كان جامدا فخرج بتقريب نار إليه ، فإن الأصح أن الضمان على المقرب. (وإن سقط) الزق بعد فتحه له (بعارض ريح) أو نحوها كزلزلة ووقوع طائر أو جهل الحال فلم يعلم سبب سقوطه كما جزم به الماوردي وغيره، (لم يضمن) لأن التلف لم يحصل بفعله، وليس فعله في الأولى مما يقصد به تحصيل ذلك العارض وللشك في الموجب في الثانية، وفارق حكم الأولى إذابة الشمس بأن طلوع الشمس محقق فلذلك قد يقصده الفاتح بخلاف الريح.
تنبيه: أفهم كلامه أن الريح لو كانت هابة عند الفتح ضمن، وهو الظاهر كما يؤخذ من الفرق المذكور ومن تفرقتهم بين المقارن والعارض فيما إذا أوقد نارا في أرضه فحملها الريح إلى أرض غيره فأتلفت شيئا. ولو قلب الزق غير الفاتح فخرج ما فيه ضمنه دون الفاتح. ولو أزال ورق العنب ففسدت عناقيده بالشمس ضمنه، أو ذبح شاة رجل فهلكت سخلتها أو حمامة فهلك فرخها ضمنها لفقد ما يعيشان به. فإن قيل: لو حبس المالك على ما شبته ولو ظلما فهلكت لم يضمنها، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن التالف هنا جزء أو كالجزء من المذبوح بخلاف الماشية مع مالكها، وبأنه هنا أتلف غذاء الولد المتعين له بإتلاف أمه بخلافه ثم. ولو أراد سوق الماء إلى النخل أو الزرع فمنعه ظالم من السقي حتى فسدت لم يضمن كما في زوائد الروضة كما لو حبس المالك عن الماشية، خلافا لما صححه في الأنوار من الضمان. ولو حل رباط سفينة فغرقت بحله ضمنها أو بعارض ريح أو نحوه فلا لما مر، فإن لم يظهر حادث فوجهان: أوجههما كما قاله الزركشي عدم الضمان للشك في الموجب كما مر. (ولو فتح قفصا عن طائر وهيجه فطار) في الحال (ضمنه) بالاجماع كما قاله الماوردي، لأنه ألجأه إلى الفرار كإكراه الآدمي. (وإن اقتصر على الفتح فالأظهر أنه إذا طار في الحال ضمن) لأن طيرانه في الحال يشعر بتنفيره. (وإن وقف ثم طار فلا) يضمنه، لأن طيرانه بعد الوقوف يشعر باختياره.
والثاني: يضمنه مطلقا لأنه لو لم يفتح لم يطر. والثالث: لا يضمن مطلقا لأن له قصدا واختيارا، والفاتح متسبب، والطائر مباشر، والمباشرة مقدمة على السبب. ويجري الخلاف فيما لو حل رباط بهيمة أو فتح بابا فخرجت وضاعت، وفيما لو حل قيد رقيق مجنون أو فتح عليه الباب، بخلاف الرقيق العاقل ولو كان آبقا لأنه صحيح الاختيار، فخروجه عقب ما ذكر يحال عليه. ولو أخذته هرة بمجرد الفتح وقتلته وإن لم تدخل القفص أو لم يعهد ذلك منها كما بحثه شيخنا أو طار فصدم جدار فمات أو كسر في خروجه قارورة أو القفص ضمن ذلك، لأنه ناشئ من فعله ولان فعله في الأولى بمعنى إغراء الهرة. وقضية هذا التعليل أن محل ذلك فيما إذا كانت الهرة حاضرة وإلا فلا ضمان كعروض ريح بعد