الربا وقد نهوا عنه) * يعني في الكتب السابقة . فائدة: روى السبكي وابن أبي بكر أن رجلا أتى مالك بن أنس فقال: يا أبا عبد الله رأيت رجلا سكرانا يتقافز يريد أن يأخذ القمر بيده فقلت امرأتي طالق إن كان يدخل جوف ابن آدم شئ أشر من الخمر فقال: ارجع حتى أتفكر في مسألتك فأتاه من الغد فقال: امرأتك طالق، فإني تصفحت الكتاب والسنة فلم أر شيئا أشر من الربا، لأن الله تعالى أذن فيه بالحرب، أي في قوله تعالى: * (فأذنوا بحرب من الله ورسوله) *. وقال عمر رضي الله تعالى عنه: لا يتجر في سوقنا إلا من فقه وإلا آكل الربا . وقال علي رضي الله عنه: من أتجر قبل أن يتفقه ارتطم في الربا ثم ارتطم ثم ارتطم أي وقع وارتبك ونشب. والقصد بهذا الباب بيع الربوي وما يعتبر فيه زيادة على ما مر. (إذا بيع الطعام بالطعام إن كانا جنسا) أي الثمن والمثمن، وفي بعض النسخ:
إن كان جنسا واحدا كبر وبر. (اشترط) في صحة البيع ثلاثة أمور: (الحلول) من الجانبين، (والمماثلة والتقابض) لهما (قبل التفرق) ولو وقع العقد في دار الحرب. (أو) كانا (جنسين كحنطة وشعير جاز التفاضل واشترط) أمران: (الحلول والتقابض) لهما قبل التفرق، قال (ص) فيما رواه مسلم: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد أي مقابضة. قال الرافعي: ومن لازمه الحلول - أي غالبا - ولا بد من القبض الحقيقي فلا تكفي الحوالة وإن حصل القبض بها في المجلس. ويكفي قبض الوكيل في القبض عن العاقدين أو أحدهما وهما في المجلس، وكذا قبض الوارث بعد موت مورثه في المجلس، بخلاف ما إذا كان العاقد عبدا مأذونا له فقبض سيده أو وكيلا فقبض موكله لا يكفي. واختلف قول الشافعي رضي الله تعالى عنه في علة الربا في المطعومات، فقال في القديم: الطعم مع التقدير في الجنس بالكيل والوزن فلا ربا فيما لا يكال ولا يوزن كالسفرجل والرمان والبيض، وفي الجديد، وهو الأظهر: العلة الطعمية لقوله (ص): الطعام بالطعام فدل على أن العلة الطعم وإن لم يكل ولم يوزن، لأنه علق ذلك على الطعام وهو اسم مشتق ، وتعليق الحكم على الاسم المشتق يدل التعليل بما منه الاشتقاق. (والطعام ما قصد للطعم) بضم الطاء مصدر طعم بكسر العين أي أكل غالبا. وذلك بأن يكون أظهر مقاصده الطعم وإن لم يؤكل إلا نادرا كالبلوط والطرثوث، وهو نبت يؤكل، وإن لم يكل ولم يوزن كما مر.
(اقتياتا أو تفكها أو تداويا) كما تؤخذ الثلاثة من الخبر السابق، فإنه نص فيه على البر والشعير، والمقصود منهما التقوت ، فألحق بهما ما في معناهما كالأرز والذرة، وعلى التمر، والمقصود منه التفكه والتأدم فألحق به ما في معناه كالتين والزبيب، وعلى الملح، والمقصود منه الاصلاح فألحق به ما في معناه كالمصطكي بضم الميم والقصر، والسقمونيا والطين الأرمني والزنجبيل. ولا فرق بين ما يصلح الغذاء أو يصلح البدن، فإن الأغذية لحفظ الصحة والأدوية لرد الصحة. وإنما لم يذكر الدواء فيما يتناوله الطعام في الايمان لأنها لا تتناوله في العرف المبنية هي عليه. ولا ربا في حب الكتان - بفتح الكاف وكسرها - ودهنه ودهن السمك لأنها لا تقصد للطعم، ولا في الطين غير الأرمني كالخراساني لأنه إنما يؤكل سفها، ولا فيما اختص به الجن كالعظم، أو البهائم كالتبن والحشيش والنوى، أو غلب تناولها له وإن قصد للآدميين كما قاله الماوردي وجرى عليه الشارح، وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين، أما إذا كانا على حد سواء، فالأصح ثبوت الربا فيه. ولا ربا في الحيوان مطلقا سواء أجاز بلعه كصغار السمك أم لا، لأنه لا يعد للاكل على هيئته. وقد اشترى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما بعيرا ببعيرين بأمره (ص).
تنبيه: قوله: قصد أشار به إلى أنه لا ربا فيما لا يجوز أكله، ولكنه لا يقصد كالعظم الرخو وأطراف قضبان العنب كما قاله صاحب التتمة وغيره، وكذا الجلود كما قاله في زيادة الروضة، أي التي لم تؤكل غالبا بأن خشنت وغلظت كما يؤخذ من كلام الماوردي وغيره. ودخل في قوله: تداويا الماء العذب فإنه ربوي مطعوم فلا يرد عليه، قال تعالى: