بالبسملة كما سبق (الطريقة الرابعة) رجحها امام ابن خزيمة وهي رد جميع الروايات إلى معني انهم كانوا يسرون بالبسملة دون تركها وقد ثبت الجهر بها بالأحاديث السابقة عن أنس وكان أنسا بالغ في الرد على من أنكر الاسرار بها فقال " انا صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه فرأيتهم يسرون بها " أي وقع ذلك منهم مرة أو مرات لبيان الجواز ولم يرد الدوام بدليل ما ثبت عنه من الجهر رواية وفعلا كما سبق فتكون أحاديث أنس قد دلت على جواز الامرين ووقوعهما من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهما الجهر والاسرار ولهذا اختلفت أفعال الصدر الأول في ذلك وهو كالاختلاف في الأذان والإقامة قال أبو حاتم بن حبان هذا عندي من الاختلاف المباح والجهر أحب إلى فعلى هذا قول من روى " لم يقرأ " أي لم يجهر ولم أسمعهم يقرؤن أي يجهرون (الطريقة الخامسة) أن يقال نطق أنس بكل هذه الألفاظ المروية في مجالس متعددة بحسب الحاجة إليها في الاستدلال والبيان (فان قيل) هلا حملتم حديث أنس رضي الله عنه على أن آخر الامرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الجهر بدليل أنه حكي ذلك عن الخلفاء بعده (قلنا) منع ذلك أن الجهر مروي عن أنس من فعله كما سبق من حديث المعتمر عن أبيه عن أنس فلا يختار أنس لنفسه الا ما كان آخر الامرين قال أبو محمد وان رمنا ترجيح الجهر فيما نقل أنس قلنا هذه الرواية التي انفرد بها مسلم المصرحة بحذف البسملة أو بعدم الجهر بها قد عللت وعورضت بأحاديث الجهر الثابتة عن أنس والتعليل يخرجها من الصحة إلى الضعف لان من شرط الصحيح أن لا يكون شاذا ولا معللا وان اتصل سنده بنقل عدل ضابط عن مثله فالتعليل بضعفه لكونه اطلع فيه على علة خفية قادحة في صحته كاشفة عن وهم لبعض رواته ولا ينفع حينئذ اخراجه في الصحيح لأنه في نفس الامر ضعيف وقد خفى ضعفه وقد تخفى العلة على أكثر الحفاظ ويعرفها الفرد منهم فكيف والامر هنا بالعكس ولهذا امتنع البخاري وغيره من اخراجه وقد علل حديث أنس هذا بثمانية أوجه ذكرها أبو محمد مفصلة وقال الثامن فيها أن أبا سلمة سعيد بن زيد قال سألت أنسا " أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بالحمد لله رب العالمين أو ببسم الله الرحمن الرحيم فقال إنك لتسألني عن شئ ما أحفظه وما سألني عنه أحد قبلك " رواه أحمد بن حنبل في مسنده وابن خزيمة في كتابه والدارقطني في سننه وقال إسناده صحيح وهذا دليل على توقف انس وعدم جزمه بواحد من الامرين وروى عنه الجزم بكل واحد منهما فاضطربت أحاديثه وكلها صحيحة فتعارضت فسقطت وان ترجح بعضها فالترجيح الجهر لكثرة
(٣٥٤)