وهذا المضمون سهل الإصابة لمن لاحظ كلماتهم، فلاحظ المسالك هنا، وشرح القواعد وحاشيتها للمحقق الثاني والشهيد عند قول العلامة: والمراد بالمكيل والموزون هنا جنسه وإن لم يدخلاه لقلته كالحبة والحبتين من الحنطة، أو لكثرته كالزبرة، ولازم ذلك - يعني اشتراط دخول الربا في جنس باشتراط الكيل والوزن في صحة بيعه -: أنه إذا ثبت الربا في زماننا في جنس، لثبوت كونه مكيلا أو موزونا على عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ، لزم أن لا يجوز بيعه جزافا، والا لم يصدق ما ذكروه: من اشتراط الربا باشتراط التقدير في صحة بيعه. وبالجملة، فتلازم الحكمين - أعني دخول الربا في جنس، واشتراط بيعه بالكيل أو الوزن - مما لا يخفى على المتتبع في كتب الأصحاب وحينئذ فنقول: كل ما ثبت كونه مكيلا أو موزونا في عصره صلي الله عليه وآله وسلم فهو ربوي في زماننا ولا يجوز بيعه جزافا، فلو فرض تعارف بيعه جزافا عندنا كان باطلا وإن لم يلزم غرر، للاجماع، ولما عرفت: من أن اعتبار الكيل والوزن لحكمة سد باب نوع الغرر لا شخصه، فهو حكم لحكمة غير مطردة، نظير النهي عن بيع الثمار قبل الظهور لرفع التنازع، واعتبار الانضباط في المسلم فيه، لان في تركه مظنة التنازع والتغابن، ونحو ذلك.
والظاهر - كما عرفت من غير واحد - أن المسألة اتفاقية وأما ما علم أنه كان يباع جزافا في زمانه صلي الله عليه وآله وسلم، فالظاهر جواز بيعه كذلك عندنا مع عدم الغرر قطعا، والظاهر أنه إجماعي، كما يشهد به دعوى بعضهم الاجماع على أن مثل هذا ليس بربوي ، والشهرة محققة على ذلك.