أيها الناس، إنه لن يزداد امرؤ نقيرا لحذقه، ولم ينقص امرؤ نقيرا لحمقه، فالعالم بهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعته، والعالم بهذا التارك له أعظم الناس شغلا في مضرته، ورب منعم عليه مستدرج بالاحسان إليه، ورب مغرور في الناس مصنوع له، فأبق أيها الساعي من سعيك، وأقصر من عجلتك، وانتبه من سنة غفلتك، وتفكر فيما جاء عن الله عز وجل على لسان نبيه صلي الله عليه وآله وسلم وفي رواية عبد الله بن سليمان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله عز وجل وسع في أرزاق الحمقى ليعتبر العقلاء، ويعلموا أن الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل ولا حيلة وفي مرفوعة سهل بن زياد أنه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: كم من متعب نفسه مقتر عليه، وكم من مقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير.
وفي رواية علي بن عبد العزيز قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ما فعل عمر بن مسلم ؟ قلت: جعلت فداك! أقبل على العبادة وترك التجارة، فقال: ويحه! أما علم أن تارك الطلب لا تستجاب له دعوته؟ إن قوما من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لما نزل قوله تعالي: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا: قد كفينا! فبلغ ذلك النبي صلي الله عليه وآله وسلم فأرسل إليهم، فقال لهم: ما دعاكم إلى ما صنعتم؟ فقالوا: يا رسول الله تكفل الله تعالي لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة فقال صلي الله عليه وآله وسلم: إنه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب. وقد تقدم رواية أنه: ليس منا من ترك آخرته لدنياه، ولا من ترك دنياه لاخرته وتقدم أيضا حديث داود على نبينا وآله وعليه السلام وعلي جميع أنبيائه الصلاة والسلام، بعد الحمد لله الملك العلام، على ما أنعم علينا بالنعم الجسام التي من أعظمها الاشتغال بمطالعة وكتابة كلمات أوليائه الكرام التي هي مصابيح الظلام للخاص والعام