ويحتمل غير بعيد حمل الاطلاقات سيما الاخبار على المورد الغالب، وهو ما كان رفع الغرر من حيث مقدار العوضين موقوفا على التقدير، فلو فرض اندفاع الغرر بغير التقدير كفي، كما في الفرض المزبور، وكما إذا كان للمتبائعين حدس قوي بالمقدار نادر التخلف عن الواقع، وكما إذا كان المبيع قليلا لم يتعارف وضع الميزان لمثله، كما لو دفع فلسا وأراد به دهنا لحاجة، فإن الميزان لم يوضع لمثله، فيجوز بما تراضيا عليه من التخمين.
ولا منافاة بين كون الشئ من جنس المكيل والموزون، وعدم دخول الكيل والوزن فيه، لقلته كالحبتين والثلاثة من الحنطة، أو لكثرته كزبرة الحديد، كما نبه عليه في القواعد وشرحها وحاشيتها. ومما ذكرنا يتجه عدم اعتبار العلم بوزن الفلوس المسكوكة، فإنها وإن كانت من الموزون ولذا صرح في التذكرة بوقوع الربا فيها الا أنها عند وقوعها ثمنا حكمها كالمعدود في أن معرفة مقدار ماليتها لا تتوقف على وزنها، فهي كالقليل والكثير من الموزون الذي لا يدخله الوزن وكذا شبه الفلوس من المسكوكات المركبة من النحاس والفضة كأكثر نقود بغداد في هذا الزمان وكذا الدرهم والدينار الخالصان، فإنها وإن كانت من الموزون ويدخل فيها الربا إجماعا، إلا أن ذلك لا ينافي جواز جعلها عوضا من دون معرفة بوزنها، لعدم غرر في ذلك أصلا ويؤيد ذلك جريان سيرة الناس على المعاملة بها من دون معرفة الأغلب بوزنها. نعم، يعتبرون فيها عدم نقصها عن وزنها المقرر في وضعها من حيث تفاوت قيمتها بذلك، فالنقص فيها عندهم بمنزلة العيب، ومن هنا لا يجوز إعطاء الناقص منها، لكونه غشا وخيانة وبهذا يمتاز الدرهم والدينار عن الفلوس السود وشبهها حيث إن نقصان الوزن لا يؤثر في قيمتها، فلا بأس بإعطاء ما يعلم نقصه