الدال على الصدق، فيتلقى بالقبول أوامره ونواهيه، ويذعن بالتسليم لما يسنه ويقرره.
ولما قضت الحكمة بالعدم، وأوجبت فناء الأمم، لزم أن يوعز ما لقن من أحكامه، ولتقن أقسامه إلى أئمة ينوبون منابه ويقومون مقامه، يحفظون ما أودعه ويؤدون ما شرعه، لا تعلق بهم عوارض الالتباس ولا يسندون إلى استحسان ولا قياس ليوثق بما يؤخذ عنهم كما قال الله سبحانه ﴿لعلمه الذين يستنبطونه منهم﴾ (١) ولما كانت الحوادث قد تفرض والموانع قد تعرض، ندب الله سبحانه إلى التفقه، فق لتنبه الغافلون ويهتم المهملون: ﴿فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون﴾ (٢) وقال رسول الله: صلى الله عليه وآله (طلب العلم فريضة) (٣) وقال علي عليه السلام: (العلم مخزون عند أهله وقد أمرتم بطلبه منهم) (٤) وقال جعفر بن محمد (لو علم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج) (٥) لكن لم يبذل لكل طالب ولا تيسر لكل راغب بل خص به من رشدت خلايقه، وحمدت طرايقه تعظيما لقدره، وتفخيما لأمره وصونا لسره، فقال سبحانه تنبيها وتذكيرا ﴿يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا﴾ (6) فلهذا كان الفقهاء أعظم الناس أقدارا، وأكرمهم آثارا، وأظهرهم أسرارا، وأظهرهم ذكرا وانتشارا وأكثر هم أتباعا وأنصارا، لا يضرهم خذلان الخاذلين، ولا يغض منهم أغراض الجاهلين، بل صحبتهم طاعة وفرقتهم إضاعة.