تقييد كل من الأمرين بالآخر وجعلهما بمنزلة أمر متعلق بكلا الفعلين على الترتيب ففي أول الوقت لا مجال لامتثال الأمر الثاني لأنه لم يجئ بعد زمان متعلقه وفي آخر الوقت أيضا فاتت إذ لا يقتضي بقاء الأمر بها مع كون المكلف مأمورا بايقاع العصر بعدها، والظاهر أن نظر بعض الأعاظم إلى هذا في الاستدلال على اختصاص آخر الوقت بخصوص العصر، وأورد عليه بأن هذه العبارة يعني (إلا أن هذه قبل هذه) إما لبيان الترتيب فقط، وأما لبيان دخول وقت الظهر أول الزوال قبل العصر وعلى الثاني فلا دلالة لها على تعيين خصوص العصر في آخر الوقت وعلى الأول تدل على اشتراط الترتيب بين الظهر ولازم ذلك وإن كان اختصاص الوقت الفعلي من أول الزوال بالظهر لكن اختصاص آخر الوقت بالعصر لا يفهم منه فإنه بعد عدم اتساع الوقت إلا لأربع ركعات لو كان اشتراط الترتيب محفوظا فلا يمكن العصر ولو كان ساقطا فالوقت صالح لهما فيحتاج تعيين أحد الفرضين إلى دليل آخر ويمكن أن يقال: إن العبارة المذكورة ظاهرة في اعتبار الترتيب ومع ذلك يستفاد منهما اختصاص أول الوقت بالفرض الأول واختصاص آخر الوقت بالفرض الثاني فعند تضيق الوقت وعدم اتساعه إلا لأربع ركعات وإن سقط الترتيب لكن الوقت غير صالح لكلا الفرضين، هذا ولكن الظاهر منافاة هذا المعنى مع قوله عليه السلام في صحيحة عبيد بن زرارة (إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين الظهر والعصر جميعا) فإنه لا يظهر فائدة للفظ (جميعا) إلا صلوح وقت لكلا الفرضين، ثم لا يخفى أنه بعد صراحة الأخبار المذكورة في دخول وقت الصلاتين الظهرين والعشائين بالزوال والمغرب إلا أن صلاة الظهر والمغرب قبل العصر والعشاء تحمل الأخبار الواردة الدالة بظاهرها على أن وقت الظهر يدخل بعد الزوال بقدم أو قدمين أو ذراع أو غيرها وكذا ما دل على أن وقت وجوب العشاء غيبوبة الشفق المفسر بالحمرة، وأو أن أول وقت العشاء ذهاب الحمرة على رعاية النافلة أو إرادة وقت الفضيلة جمعا بين الطرفين.
(فإذا طلع الفجر الثاني دخل وقت صلاته ممتدا حتى تطلع الشمس)