وهذا الحديث الذي تمسك به الوهابيون لا يدل على حرمة شد الرحال إلى زيارة القبور، والأماكن والمشاهد المشرفة، وذلك لأن الاستثناء الوارد في الحديث مفرغ قد حذف فيه المستثنى منه، فكما يمكن أن يكون تقدير المستثنى منه: " لا تشد الرحال إلى مكان من الأمكنة " يمكن أن يكون تقديره:
" لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد ". ولكن المتعين هو الثاني لكون الاستثناء متصلا وهو يقتضي تقدير " المسجد " بعنوان مستثنى منه، لا غيره.
أضف إلى ذلك يقول الشيخ السبحاني: " أن الضرورة قاضية بجواز شد الرحال إلى طلب التجارة، وإلى طلب العلم، وإلى الجهاد، وزيارة العلماء والصلحاء، وإلى التداوي والنزهة، وأن المسلمين في مواسم الحج يشدون الرحال إلى عرفة والمزدلفة ومنى.. هذا مضمون الحديث ومعناه ومع ذلك لا يفهم من هذا الحديث وأشباهه حرمة السفر إلى باقي المساجد، بل هي ظاهرة في أفضلية هذه المساجد على ما عداها بحيث بلغ فضلها أن تستحق شد الرحال والسفر إليها للصلاة فيها. أما سائر المساجد فليس لها هذا الشأن.
كما أن النهي عن شد الرحال إلى سائر المساجد دون الثلاثة ليس نهيا إلزاميا بل هو للإرشاد إلى عدم ترتب ثواب وافر على التوجه إلى سائر المساجد.
ويدل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يشد الرحال إلى غير المساجد المذكورة في الحديث كما في صحيح البخاري: ففي باب إتيان مسجد قباء راكبا وماشيا " عن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قباء راكبا وماشيا " (80).
أما الدليل على زيارة قبر الرسول (ص) وقبور الصالحين وغيرهم، فنذكر منها:
روي عن عبد الله بن عمر أنه قال: قال النبي (ص): من جاءني زائرا لا