لقد تعمدت إيراد هذه المناظرة شبه كاملة على طولها بين ابن تيمية وخصمه الصوفي ابن عطاء الله الإسكندري وذلك لكي يتضح لأتباع الشيخ السلفي قوة حجته وشمول اطلاعه، فهو يكاد يكون تابعا مستسلما لهذا الشيخ الصوفي، متحيرا في إيراد الحجج الناقضة لأصول المتصوفة، فهو حسب الشيخ الإسكندري مجرد " فقيه " لا يعدو فهمه ظواهر كلام الصوفية.
وقد نبه القوم كل من يطلع على كلامهم أن لا يحمله على ظاهره وأن لا يأخذهم بلازمه لأنهم أهل باطن وإشارات وقد تضيق اللغة على استيعاب ما يشعرون به أو ما يشاهدونه في رحلاتهم الروحية الباطنية. فمن الحكمة إذن الاحتراز في الحكم عليهم والاستنجاد بالتأويل عند الحاجة لتحقيق حسن الظن بعقائد القوم. خصوصا وأن أغلبهم يعتمد الكتاب والسنة منطلقا، وإنما هو الاجتهاد في العبادة وتحقيق اليقين. أما من حسب نفسه على القوم وجاهر بمخالفة صريح الكتاب أو السنة وبالخصوص على مستوى التطبيق والسلوك فإن رؤساء القوم أول من يتبرأ منه ويلفظونه خارج جماعتهم. وقد أشار الشيخ ابن عطاء الله لذلك فضرب مثلا بمن ينسب إلى الإمام أحمد بن حنبل وهو منحرف عقيدة وسلوكا فهل يذم الإمام أحمد على ذلك.
وما ورد في هذه المناظرة يدعم قولنا بوجود تناقض صارخ في آراء الشيخ ابن تيمية تجاه التصوف وقضاياه بل يمكننا أن نجزم بأن التناقض والاختلاف لازم لمجمل أقواله وفتاويه (77) في القضايا التي تناولها في كتبه. لذلك نجد الدكتور البوطي يركب ظهر هذا الاختلاف والتناقض للهروب من تكفير الشيخ الحنبلي فهو - أي البوطي - يعتقد كغيره من علماء أهل السنة والجماعة بكفر من يقول بالقدم النوعي للعالم على سبيل المثال، وقد كفر