شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٣٣ - الصفحة ٦٦٧
ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى 711 ه في (مختصر تاريخ دمشقلابن عساكر) (ج 7 ص 137 ط دار الفكر) قال (1):
(١) وصية معاوية لابنه يزيد حين هلاكته، رواها جماعة:
فمنهم الحافظ أبو حاتم السجستاني المتوفى ٢٥٠ في (المعمرون والوصايا) ص ١٥٦ ط مصر قال:
وصية معاوية، قالوا: وأخبروني أن معاوية لما حضرته الوفاة قال لابنه يزيد: إني كفيتك الحل والترحال، أو قال الرحل والترحال، ووطأت لك الأشياء، وذللت لك الأعزاء، وأخضعت لك أعناق العرب، وجمعت لك ما جمع واحد، فانظر أهل الحجاز، فإنهم أصلك فأكرم من قدم عليك منهم، وتعهد من غاب عنك منهم، وانظر أهل العراق، فإن سألوك أن تعزل عنهم في كل يوم عاملا فافعل فإن عزل عامل أحب إليك من أن يشهر عليك مائة ألف سيف.
إلى أن قال ص ١٥٦ وأما ابن دأب فقال: لما ثقل معاوية بعث إلى يزيد ابنه وهو في بعض ضياعه، فأتاه غلام له، يقال له (عجلان) فأخبر بثقله، فأقبل، وقال في ذلك شعرا:
جاء البريد بقرطاس يخب به * فأوجس القلب من قرطاسه جزعا فلما دخل على معاوية خلا به، وأخرج عنه أهل بيته، فقال: يا بني قد جاء أمر الله، وهذا أوان هلاكي، فما أنت صانع بهذه الأمة من بعدي، فمن أجلك آثرت الدنيا على الآخرة، وحملت الوزر على ظهري لتعلو بني أبيك، قال يزيد: آخذهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم آخذهم به، وأقتلهم عليه، فقال: أو لا تسير بسيرة أبي بكر الذي قاتل أهل الردة، ومضى والأمة عنه راضون؟ قال: لا إلا بكتاب الله وسنة نبيه، آخذهم به وأقتلهم عليه، قال: أو لا تسير بسيرة عمر الذي مصر الأمصار، وجند الأجناد، وفرض العطية وجبى الفئ، وقاتل العدو، ومضى والأمة عنه راضون، قال: لا إلا بكتاب الله وسنة رسوله، آخذهم به وأقتلهم عليه، قال: أو لا تأخذ بسيرة عثمان عمك الذي أكل في حياته، وورث في مماته، واستعمل أقاربه؟ قال: لا إلا بكتاب الله وسنة نبيه آخذهم به وأقتلهم عليه. قال: أو لا تسير بسيرة أبيك الذي أكل في حياته وورث بعد وفاته، واحتمل الوزر على ظهره؟ قال: لا إلا بكتاب الله وسنة نبيه، آخذهم به وأقتلهم عليه، قال: يا يزيد انقطع منك الرجاء أظنك ستخالف هؤلاء جميعا، فتقتل خيار قومك، وتغزو حرم ربك بأوباش الناس، فتطعمهم لحومهم بغير الحق فتدركك مرته فجأة، فلا دنيا أصبت ولا آخرة أدركت، يا يزيد إذا لم تصب الرشد وتطلع ذا الحق فإني قد أوطأت لك المنابر، وأذللت لك أهل العز، وأخضعت لك رقاب العرب، وكفيتك الرحلة والترحال، وجمعت لك ما لم يجمع واحد، وإني لست أخاف أن ينازعك في هذا الأمر إلا ثلاثة نفر، الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، فأما ابن عمر فرجل وقذته العبادة، وتخلى من الدنيا وشغل نفسه بالقرآن، ولا أظنه يقاتل إلا أن يأتيه الأمر عفوا، وأما الذي يجثم جثوم الأسد، ويروغ روغان الثعلب، وإن أمكنته فرصة وثب فابن الزبير، فإن هو فعل فاستمكنت منه فقطعه إربا إربا إلا أن يلتمس منك صلحا، فإن فعل فأقبل منه، وأحقن دماء قومك تقبل قلوبهم إليك، وأما الحسين بن علي فإن له رحما وحقا وولادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أظن أهل العراق تاركيه حتى يخرجوه عليك، فإن قدرت عليه فاصفح عنه، فإني لو كنت صاحبه لعفوت عنه.
وقال الفاضل المعاصر محمد رضا أمين مكتبة جامعة فؤاد الأول سابقا في كتابه: (الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم) ص 80 ط دار الكتب العلمية بيروت قال:
يجدر بنا أن نأتي على وصية معاوية لابنه لما حضرته الوفاة. ويقال إن يزيد كان غائبا فدعا بالضحاك بن قيس الفهري وكان صاحب شرطته، ومسلم بن عقبة المري فأوصى إليهما فقال: بلغا يزيد وصيتي، وهذه هي الوصية:
انظر أهل الحجاز فإنهم أصلك، فأكرم من قدم عليك منهم وتعاهد من غاب، وانظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملا فافعل، فإن عزل عامل أحب إلي من أن تشهر عليك مائة ألف سيف، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك. فإن رابك شئ من عدوك فانتصر بهم، فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم فإنهم إن أقاموا بغير بلادهم أخذوا بغير أخلاقهم، وإني لست أخاف من قريش إلا ثلاثة: حسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير. فأما ابن عمر فرجل قد وقذه الدين (سكنه) فليس ملتمسا شيئا قبلك. وأما الحسين بن علي فإنه رجل خفيف أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه. وإن له رحما ماسة وحقا عظيما وقرابة من محمد صلى الله عليه وسلم. ولا أظن أهل العراق تاركيه حتى يخرجوه فإن قدرت عليه فاصفح عنه فإني لو أتي صاحبه عفوت عنه. وأما ابن الزبير فإنه خب ضب، فإذا شخص إليك فاليد له إلا أن يلتمس منك صلحا فإن فعل فأقبل واحقن دماء قومك ما استطعت.
إلى أن قال:
وهناك رواية أخرى لوصية معاوية لا تختلف عن هذه الرواية فيما يختص بالصفح عن الحسين والتشديد على عبد الله بن الزبير. قال:
يا بني إني قد كفيتك الرحلة والترحال، ووطأت لك الأشياء، وذللت لك الأعداء، وأخضعت لك أعناق العرب، وجمعت لك من جمع واحد. وإني لا أتخوف أن ينازعك هذا الأمر الذي استتب لك إلا أربعة نفر من قريش، الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر. فأما عبد الله بن عمر فرجل قد وقذته العبادة وإذا لم يبق أحد غيره بايعك. وأما الحسين ابن علي فإن أهل العراق لن يدعوه حتى يخرجوه. فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه فإن له رحما ماسة وحقا عظيما. وأما ابن أبي بكر فرجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئا، صنع مثله. ليس له همة إلا في النساء واللهو. وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب. فإذا أمكنته فرصة وثب. فذاك ابن الزبير. فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطعه إربا إربا.