قال مجاهد: نافق فيها، ثم والله ما بقي من عسكره أحدا إلا تركه.
قال علماء السير: ثم [دعا] يزيد بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه، فأدخلوا عليه فقال لعلي: يا علي، أبوك الذي قطع رحمي، وجهل حقي، ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما رأيت. فقال علي: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها). ثم دعا بالنساء والصبيان، فأجلسوا بين يديه، فرأى هيئة قبيحة، فقال: قبح الله ابن مرجانة، لو كانت بينكم وبينه قرابة ما فعل بكم هذا. فرق لهم يزيد، فقام رجل أحمر من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه - يعني فاطمة بنت علي - وكانت وضيئة، فارتعدت وظنت أنهم يفعلون، فأخذت بثياب أختها زينب - وكانت زينب أكبر منها - فقالت زينب: كذبت والله، ما ذلك لك ولا له. فغضب يزيد وقال: كذبت، إن ذلك لي، ولو شئت أن أفلعه لفعلته، قالت: كلا والله، ما جعل الله ذلك لك إلا أن يخرج من ملتنا ويدين بغير ديننا، فعاد الشامين فقام وقال: هب لي هذه، فقال: اغرب، وهب الله لك حتفا قاضيا، ثم قال يزيد للنعمان بن بشير: جهزهم بما يصلحهم، وابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا يسير بهم إلى المدينة. ثم دخلن دار يزيد، فلم يبق من آل معاوية امرأة إلا استقبلتهن تبكي وتنوح على الحسين، وكان يزيد لا يتغدى ولا يتعشى إلا دعا علي بن الحسين، فدعاه يوما ودعا معه عمرو بن الحسين - وكان صغيرا - فقال يزيد لعمرو: أتقاتل هذا؟ يعني ابنه خالدا. قال: لا، ولكن أعطني سكينا وأعطه سكينا، ثم أقاتله. فقال يزيد: سنة أعرفها من أحرم، ثم بعث بهم إلى المدينة، وبعث برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد بن العاص - وهو عامله على المدينة - فكفنه ودفنه بالبقيع عند قبر أمه فاطمة. هكذا قال ابن سعد.
وذكر ابن أبي الدنيا أنهم وجدوا في خزانة يزيد رأس الحسين، فكفنوه، ودفنوه بدمشق عند باب الفراديس. ولما أتى أهل المدينة مقتل الحسين عليه السلام خرجت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها حاسرة وهي تبكي وتقول: