بالكيل الذي يعرفونه. وهو المختار بن أبي عبيدة الثقفي داعية التوابين من طلاب ثأر الحسين. فأهاب بأهل الكوفة أن يكفروا عن تقصيرهم في نصرته، وأن يتعاهدوا على الأخذ بثأره فلا يبقين من قاتليه أحد ينعم بالحياة، وهو دفين مذال القبر في العراء..
فلم ينج عبيد الله بن زياد، ولا عمر بن سعد، ولا شمر بن ذي الجوشن، ولا الحصين ابن نمير، ولا خولي بن يزيد، ولا أحد ممن أحصيت عليهم ضربة أو كلمة أو مدوا أيديهم بالسلب والمهانة إلى الموتى أو الأحياء.. وبالغ في النقمة فقتل وأحرق ومزق وهدم الدور وتعقب الهاربين، وجوزي كل قاتل أو ضارب أو ناهب بكفاء عمله.. فقتل عبيد الله وأحرق، وقتل شمر بن ذي الجوشن وألقيت أشلاؤه للكلاب، ومات مئات من رؤسائهم بهذه المثلات وألوف من جندهم وأتباعهم مغرقين في النهر أو مطاردين إلى حيث لا وزر لهم ولا شفاعة.. فكان بلاؤهم بالمختار عدلا رحمة فيه، وما نحسب قسوة بالآثمين سلمت من اللوم أو بلغت من العذر ما بلغته قسوة المختار.
ولحقت الجريرة الثالثة بأعقاب الجريرة الثانية في مدى سنوات معدودات..
فصمد الحجاز في ثورته أو في تنكره لبني أمية إلى أيام عبد الملك بن مروان، وكان أحرج الفريقين من سبق إلى أحرج العملين. وأحرج العملين ذاك الذي دفع إليه - أو اندفع إليه - الحجاج عامل عبد الملك.. فنصب المنجنيق على جبال مكة، ورمى الكعبة بالحجارة والنيران فهدمها وعفى على ما تركه منها جنود يزيد بن معاوية.. فقد كان قائده الذي خلف مسلم بن عقبة وذهب لحصار مكة أول من نصب لها المنجنيق وتصدى لها بالهدم والاحراق.
وما زالت الجرائر تتلاحق حتى تقوض من وطأتها ملك بني أمية، وخرج لهم السفاح الأكبر وأعوانه في دولة بني العباس.. فعموا بنقمتهم الأحياء والموتى، وهدموا الدور، ونبشوا القبور، وذكر المنكوبون بالرحمة فتكات المختار بن أبي عبيد، وتجاوز الثأر كل مدى خطر على بال هاشم وأمية يوم مصرع الحسين.