يحملان إليه خمسين كتابا أخرى فلما أمسى ذلك اليوم ورد عليه سعيد بن عبد الله الثقفي ومعه كتاب من رؤساء أهل الكوفة، وهكذا تتابعت الكتب على الحسين حتى ملأ بها خرجين له. فرد الحسين على أهل الكوفة جميعا بكتاب واحد دفعه إلى رسولين من أهل الكوفة يخبرهم فيه بأنه سيرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل ليتحقق بنفسه من حقيقة مشاعرهم قبل أن يقدم هو (أي الحسين) عليهم.
ووصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة في 5 شوال سنة 60 ه، وبايعه من أهلها ثمانية عشر ألف رجل سرا للحسين. وعلم النعمان بن بشير الأنصاري والي الكوفة بوصوله، وكان رجلا مسالما، فوقف سلبيا من مسلم، وأعلن عن موقفه بقوله: لا أقاتل إلا من قاتلني، ولا أثب إلا على من وثب علي، ولا آخذ بالقرفة والظنة، فمن أبدى صفحته ونكث بيعته ضربته بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم أكن إلا وحدي.
ولكن بعد أنصار الأمويين في الكوفة وعلى رأسهم عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي، وعمارة بن عقبة كتبوا إلى يزيد بن معاوية يخبرونه بما قدم مسلم بن عقيل إلى الكوفة من أجله، وما كان من تخاذل النعمان بن بشير نحو مسلم. فكتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد عامله على البصرة بعهده إليه في ولاية البصرة والكوفة معا، ويأمره بعزل النعمان والقضاء على مسلم. فلما علم مسلم بقدوم عبيد الله، خاف على نفسه، فلاذ بدار هانئ بن عروة المرادي في قول وهانئ بن ورقة المذحجي في قول آخر، وكان هانئ هذا من أشراف الكوفة، وطلب منه أن يضيفه ويجيره، فأجاره هانئ على غير رغبته، وأدخله دار نسائه، وجعل الشيعة يختلفون إليه في دار هانئ فكان مسلم يبايع من أتاه منهم ويأخذ منهم العهود والمواثيق المؤكدة بالوفاء. وفي أثناء مقامه تهيأت له فرصة قتل عبيد الله بن زياد الذي قدم لزيارة شريك بن الأعور في منزل هانئ، وكان شريك قد مرض مرضا شديدا، ولكنه لم يغتنم هذه الفرصة ويثب عليه لآمرين: الأول كراهية هانئ لقتله في داره، والثاني كراهيته للغدر.
وعلم ابن زياد عن طريق جواسيسه أن مسلم بن عقيل يقيم بدار هانئ، فاستقدمه