شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٣٣ - الصفحة ٣٦٥
فضج الناس بالبكاء، ومضى عمر محزونا مغلوبا على أمره، فأتى أبا بكر وسأله أن ينطلق معه إلى الزهراء لعلهما يحاولان استرضاءها...
واستأذنا عليها فلم تأذن لهما، حتى جاء علي وأدخلهما فسلما، لكنها أشاحت بوجهها عنهما واستدارت إلى الحائط معرضة مغضبة...
واستطاع أبو بكر رضي الله عنه أن يجد صوته ويقول:
يا حبيبة رسول الله، والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي، وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني مت ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك، وأعرف فضلك وشرفك، وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله، إلا أني سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث، ما تركنا صدقة!...
فقالت فاطمة: أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعرفانه وتعملان به؟
قالا: نعم...
قالت: نشدتكما الله، ألم تسمعا رسول الله يقول: رضى فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟..
أجابا: بلى، سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم...
قالت: فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت رسول الله لأشكوكما إليه...
فارتاعا لما سمعا، وخرج أبو بكر إلى الناس والدمع ينساب من مقلتيه، فسألهم أن يقيلوه من بيعتهم، لكنهم أبوا حتى لا تكون فتنة!...
ولا يذكر المؤرخون - فيما قرأت - أن الزهراء قد حاولت بعد ذلك أن تسترجع ما فات، وإنما الذي وعاه التاريخ أنها أسلمت نفسها للحزن، فلم تر قط منذ مات أبوها صلى الله عليه وسلم، إلا محزونة باكية...
وعز العزاء وغلب الصبر، ولم يبق لها من رجاء إلا أن تلحق بأبيها كما بشرها قبل الرحيل...
وما أسرع ما لحقت به!...
أصبحت يوم الاثنين، الثاني من رمضان سنة إحدى عشرة، فعانقت أهلها وملأت، عينيها منهم، ثم دعت إليها أم رافع مولاة أبيها عليه الصلاة والسلام، فقالت لها بصوت واهن خفيض:
يا أمه، اسكبي لي غسلا...