صلى الله عليه وسلم، إلا محزونة باكية...
وعز العزاء وغلب الصبر، ولم يبق لها من رجاء إلا أن تلحق بأبيها كما بشرها قبل الرحيل... وما أسرع ما لحقت به!...
أصبحت يوم الاثنين، الثاني من رمضان سنة إحدى عشرة، فعانقت أهلها وملأت عينيها منهم، ثم دعت إليها (أم رافع مولاة أبيها عليه الصلاة والسلام، فقالت لها بصوت واهن خفيض: يا أمه، اسكبي لي غسلا...
واغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل، ثم لبست ثيابا لها جددا كانت قد نبذتها حدادا، ثم قالت لأم رافع: اجعلي فراشي في وسط البيت...
فلما فعلت، اضطجعت عليه واستقبلت القبلة، تتهيأ للقاء ربها، ولقاء أبيها الحبيب... ثم أغمضت عينيها ونامت!..
وقام علي فاحتملها باكيا، ودفنها بالبقيع، ثم ودعها وعاد محزونا إلى صغاره، وإلى البيت الذي أوحش من بعد الزهراء...
وبات المسلمون محزونين، بعد أن شيعوا إلى القبر آخر بنات النبي صلى الله عليه وسلم ولما تمض ستة أشهر بعد وفاته، على أرجح الأقوال...
وعاد الشمل الممزق فالتأم من جديد ولكن في غير هذا العالم، فضم ثرى طيبة جثمان فاطمة كما ضم جثمان أبيها صلى الله عليه وسلم وأخواتها الثلاث: زينب، ورقية، وأم كلثوم، رضوان الله عليهن... وطوى القدر الصفحة الأولى من حياة الزهراء، ثم ما لبث أن عاد بعد حين لي الكتاب التاريخي الحافل، ليملأه بنضال الشيعة، ومأساة كربلا، ومصارع الطالبيين، وخدعة الدعوة العباسية، وقيام الدولة الفاطمية، وما حف بذلك من جليل الأحداث، وما تخلف عن ذلك كله من بعيد الآثار في حياة العقيدة الاسلامية، وفي التاريخ المذهبي والسياسي للمسلمين!...
وتتغير الأحداث والدول، وتبقى أم أبيها ملء الحياة، في ذريتها الطاهرة المباركة، آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.