وطالبهم... ورجعت إلى بيتها فلزمته، فما راعها حين أصبحت إلا ضجة قد علت قريبا من الباب، وتناهى إليها صوت عمر يحاول أن يدخل، وهو يقسم منذرا، أن سوف يحمل عليا على البيعة اتقاء الفتنة وخوفا من تفرق كلمة المسلمين وانتثار قواهم. فصاحت الزهراء بملء لوعتها: يا أبت رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة؟... فضج الناس بالبكاء، ومضى عمر محزونا مغلوبا على أمره، فأتى أبا بكر وسأله أن ينطلق معه إلى الزهراء لعلهما يحاولان استرضاءها...
واستأذنا عليها فلم تأذن لهما، حتى جاء علي وأدخلهما فسلما، لكنها أشاحت بوجهها عنهما واستدارت إلى الحائط معرضة مغضبة...
واستطاع أبو بكر رضي الله عنه أن يجد صوته ويقول: يا حبيبة رسول الله، والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي، وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني مت ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك، وأعرف فضلك وشرفك، وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله، إلا أني سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث، ما تركناه صدقة!... فقالت فاطمة: أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعرفانه وتعملان به؟ قالا: نعم...
قالت: نشدتكما الله، ألم تسمعا رسول الله يقول: رضى فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟..
أجابا: بلى، سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم...
قالت: فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت رسول الله لأشكوكما إليه... فارتاعا لما سمعا، وخرج أبو بكر إلى الناس والدمع ينساب من مقلتيه، فسألهم أن يقيلوه من بيعتهم، لكنهم أبوا حتى لا تكون فتنة!..
ولا يذكر المؤرخون - فيما قرأت - أن الزهراء قد حاولت بعد ذلك أن تسترجع ما فات، وإنما الذي وعاه التاريخ أنها أسلمت نفسها للحزن، فلم تر قط منذ مات أبوها