ويأمن الذم وتوبيخ الكلم ثم مضى، حتى إذا كان في ذلك الموضع، سمع وسمعنا من الشجر ذلك الحس، وتلك الحركة، فذعرنا ذعرا شديدا حتى ما يستطيع أحدنا أن يكلم صاحبه. فرجع ورجعنا لا نملك أنفسنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل: ما حالك؟ فقال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لقد ذعرت ذعرا شديدا ما ذعرت مثله قط. وقلنا ذلك معه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك عصابة من الجن هولوا عليكم ولو سرت حيث أمرتك لما رأيت إلا خيرا، ولرأيت فيهم عبرة ولم تر سوءا.
قال: واشتد العطش بالمسلمين، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهجم بالمسلمين في الشجر والدغل ليلا.
فدعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، فأقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: سر مع هؤلاء السقاة حتى ترد بئر العلم، فتستقي وتعود إن شاء الله. قال سملة بن الأكوع: فخرج علي أمامنا ونحن في أثره، والقرب في أعناقنا، وسيوفنا بأيدينا، وعلي يقدمنا، وإنا لنحضر خلفه ما نلحقه وهو يقول [من الرجز]:
أعوذ بالرحمن أن أميلا * من عزف جن أظهرت تهويلا وأوقدت نيرانها تعويلا * وقرعت مع عزفها الطبولا قال: فسار ونحن معه، نسمع تلك الحركة، وذلك الحس، فدخلنا من الرعب مثل الذي كنا نعرف. وظننا أن عليا سيرجع كما رجع صاحباه. فالتفت إلينا وقال: اتبعوا أثري، ولا يفزعنكم ما ترون، فليس بضائركم إن شاء الله. ومر لا يلتفت على أحد حتى دخل بنا الشجر. فإذا نيران تضطرم بغير حطب. وإذا رؤوس قد قطعت لها ضجة ولألسنتها لجلجة شديدة، وأصوات هائلة. فتالله لقد أحسست برأسي قد انصرفت قشرته، ووقعت شعرته. ورجف قلبي حتى لا أملك نفسي. وعلي يتخطى تلك الرؤوس، ويقول: اتبعوني ولا خوف عليكم، ولا يلتفت أحد منكم يمينا ولا شمالا.