فجعلنا نتلو أثره حتى جاوزنا الشجر ووردنا الماء، فاستقت السقاة، ومعنا دلو واحد، فأدلاه البراء بن مالك في البئر، فاستقى دلوا أو دلوين، ثم انقطع الدلو فوقع في القليب. والقليب ضيق مظلم بعيد. فسمعنا في أسفل القليب قهقهة وضحكا شديدا، فراعنا ذلك.
فقال علي: من يرجع إلى عسكرنا فيأتينا بدلو أو دلوين؟ فقال أصحابه: ومن يستطيع أحد يجاوز الشجر مع ما رأينا وسمعنا؟
قال علي: فإني نازل في القليب، فإذا نزلت فأدلو إلي قربكم.
ثم اتزر بمئزر، ثم نزل في القليب. وما تزداد القهقهة إلا علوا. فوالذي نفس محمد بيده إنه لينزل وما فينا أحد إلا وعضداه يهتزان رعبا.
وجعل ينحدر في مراقي القليب إذ زلت رجله فسقط في القليب، فسمعنا وجبة شديدة ازددنا لها رعبا. وجعلنا نسمع اضطرابا شديدا، وغطيطا كغطيط المجنون.
ثم نادى علي: الله أكبر، الله أكبر، أنا عبد الله وأخو رسوله، هلموا قربكم فدليناها إليه، فأفعمها وعصبها في القليب، ثم أصعدها على عنقه شيئا شيئا عن آخرها.
ثم حمل قربتين وحلمنا نحن قربة قربة، ومر بين أيدينا لا يكلمنا، ولا نكلمه، ولا يذكر لنا شيئا، إلا أنا نسمع همهمة.
حتى إذا صرنا بموضع الشجر لم نر مما رأينا شيئا، ولا سمعنا مما كنا نسمع حسا.
حتى إذا كدنا أن نجاوز الشجر سمعنا صوتا منقطعا أبح وهو يقول [من الرجز]:
أي فتى ليل أخي روعات * وأي سباق إلى الغايات لله در الغرر السادات * من هاشم الهامات والقامات مثل رسول الله ذي الآيات * وعمه المقتول ذي السبقات حمزة ذي الجنات والروضات * أو كعلي كاشف الكربات كذا يكون الموفي الحاجات * والضرب للأبطال والهامات قال سلمة بن الأكوع: وعلي أمامنا يرتجز ويقول [من الرجز]: