رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا، وحملني خلفه، وشد وسطي إلى وسطه بعمامة، وعصب عيني، وقال: يا سلمان لا تفتحن عينيك حتى تسمع عليا يؤذن، ولا يروعك ما تسمع، فإنك آمن إن شاء الله. ثم أوصى عليا بما أحب أن يوصيه، ثم قال:
سيروا ولا قوة إلا بالله.
فثار البعير سائرا يدف كدفيف النعام، وعلي يتلو القرآن، فسرنا ليلتنا حتى إذا طلع الفجر أذن علي، وأناخ البعير، وقال: انزل يا سلمان، فحللت عيني ونزلت، فإذا أرض قوراء، لا ماء ولا شجر، ولا عود ولا حجر، فلما بان الفجر أقام علي الصلاة وتقدم وصلى بنا أنا والشيخ. ولا أزال أسمع الحس حتى إذا سلم علي التفت، فإذا خلق عظيم، لا يسمعهم إلا الخطيب الصيت الجهير، فأقام علي يسبح ربه، حتى طلعت الشمس، ثم قام فيهم خطيبا، فخطبهم، فاعترضه منهم مردة، فأقبل علي عليهم، فقال: أبا الحق تكذبون، وعن القرآن تصدفون وبآيات الله تجحدون؟
ثم رفع طرفه إلى السماء فقال: بالكلمة العظمى، والأسماء الحسنى، والعزائم الكبرى، والحي القيوم، محيي الموتى، ورب الأرض والسماء، يا حرسة الجن، ورصدة الشياطين، خدام الله الشرهباليين، ذوي الأرواح الطاهرة.
اهبطوا بالجمرة التي لا تطفأ، والشهاب الثاقب، والشواظ المحرق، والنحاس القاتل، بالمص، والذاريات، وكهيعص، والطواسين، ويس، و (ن، والقلم وما يسطرون) (والنجم إذا هوى) (والطور، وكتاب مسطور، في رق منشور، والبيت المعمور) والأقسام والأحكام، ومواقع النجوم، لما أسرعتم الانحدار إلى المردة المتولعين المتكبرين، الجاحدين لآيات رب العالمين.
قال سلمان: فحسست الأرض من تحتي ترتعد، وتعبث في الهواء هبوبا شديدا، ثم نزلت نار من السماء صعق لها كل من رآها من الجن، وخرت على وجوهها مغشيا عليها، وخررت أنا على وجهي، ثم أفقت فإذا دخان يفور من الأرض يحول بيني وبين النظر إلى عبثة المردة من الجن، فأقام الدخان طويلا بالأرض.