ثم اعلم ان كل ما ذكرنا من الفروق الحكمية التكليفية أو الوضعية، بين قولي الصحيح والأعم إنما هي مبنية على تقدير بقاء الفرق الموضوعي بينهما بالإجمال والبيان، وأما بالنظر إلى زوال ذلك الفرق الموضوعي بينهما بواسطة عروض الموانع الخارجية على بيانها وإطلاقها، فلا شبهة في انتفاء الفروق الحكمية المذكورة طرا.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الموانع التي ادعى طروها على اعتبار الإطلاق المبتني على القول بالأعم إذا أحرز صدق الاسم بالدليل الاجتهادي لا الفقاهتي كثيرة، إلا أن المرضي منها هو ما ارتضاه الأستاذ تبعا لأساتيذه الأعلام، من ورود إطلاق ألفاظ العبادات الواردة في الكتاب والسنة مورد حكم آخر، من بيان تشريع أصل العبادة، كقوله: (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) () (وأمر بالعرف) () و (فلم تجدوا ماء فتيمموا) ()، (ولله على الناس حج البيت) () نظير قول الطبيب للمريض: اشرب الدواء غدا، أو من بيان أصل ما يقتضيه الفعل من الخواص، والترك من المضار، كقوله صلى الله عليه وآله (الصلاة عمود الدين) ()، (وأن صلاة فريضة خير من عشرين أو ألف حجة) () (ومن تركها فهو كذا وكذا) () نظير توصيف الطبيب خواص الدواء إما قبل بيانه له حتى يكون إشارة إلى ما يفصله له حين العمل، وإما بعد البيان حتى يكون إشارة إلى المعهود المبين له في غير هذا الخطاب.
فالأوامر الواردة بالعبادة في الكتاب والسنة، ليست في مقام بيان الإطلاق وكيفية المأمور به، بل في مقام بيان حكم آخر من أحد الوجهين المذكورين