ثابتة في الشرائع السابقة، وهي معلومة عند العرب، وربما يعبرون عن كثير منها بالألفاظ الشرعية أيضا، إلا أنه حصل هناك اختلاف في مصاديق تلك المفاهيم بحسب اختلاف الشرائع، كاختلاف كثير منها في هذه الشريعة بحسب اختلاف الأحوال والمفهوم العام متحد في الكل فما لا يكون معروفا أصلا مندرج في الدينية.
وفيه بعد الغض عن صحة الوجه المذكور انه لا ينطبق عليه ظاهر كلماتهم حيث نصوا على حدوث المعاني الشرعية ومع ذلك فمع البناء على كون النزاع في المسألة في الإيجاب والسلب الكليين كما سيجيء بيانه لا يتحقق وجه لما ذكره أيضا لاندراج الدينية إذن في الشرعية، فيقول بها من يقول بها كليا وينفيها من ينفيها كذلك، إلا أن تخص الشرعية بما يقابل الدينية، وهو خلاف ظاهر كلماتهم في حدود الشرعية.
ثم إنه قد حكي عن المعتزلة أيضا: أن ما كان من أسماء الذوات - كالمؤمن والكافر، والإيمان، والكفر، ونحوها - حقيقة دينية، بخلاف ما كان من أسماء الأفعال، كالصلاة، والزكاة، والمصلي، والمزكي، ونحوها.
والظاهر بقرينة الأمثلة المذكورة أنهم أرادوا بأسماء الذوات ما كان متعلقا بأصول الدين، وما يتبعها مما لا يتعلق بالأعمال، وبأسماء الأفعال ما كان متعلقا بفروعه مما يتعلق بأفعال الجوارح ونحوها.
وفيه حينئذ - مع ما فيه من ركاكة التعبير - أن دعوى الفرق بين ما كان متعلقا بأصول الدين، وما يتعلق بالفروع، بكون الأول مما لا يعرف أهل اللغة لفظه أو معناه، بخلاف ما تعلق بالثاني من وضوح الفساد بمكان لا يحتاج إلى البيان.
وكيف كان، فالمحصل من هذا الكلام: أن الحقيقة الدينية عندهم ما تعلق بأصول الدين، بخلاف ما تعلق بالثاني، ويكون الشرعية أعم من ذلك، أو خصوص ما تعلق بأفعال الجوارح - بناء على الاحتمال المتقدم - فتكون مباينة، لها فتعبيرهم عنها - بأنها ما لا يعرف أهل اللغة لفظها أو معناها أو كلاهما - فاسد كما عرفت.
المقام الأول - في تحرير محل النزاع في المسألة.
فنقول: ظاهر بعضهم كصاحب المعالم () وغيره: أن الألفاظ المتداولة في ألسنة المتشرعة الصائرة حقيقة في خلاف معانيها اللغوية، ومنقولة في هذا الزمان بأسرها محل النزاع.