ثم إن ما ذكرنا من الأصل المذكور في إحراز الشرط المذكور، إنما إذا () يتهم الشاهد بكون شهادته عن حدس غالبا، فإنه حينئذ يوجب الوهن في الأصل المذكور، ويسقط الظهور المذكور، فحينئذ يتجه السؤال عن وجه الشهادة من أنها علمية أو حسية.
التنبيه الثالث: أنه من طرق معرفة اللغات قول العدل، إذا لم يكن من أهل الخبرة أيضا، بأن يخبر عن نفس الوضع بأن يقول: إن اللفظ الفلاني موضوع لكذا.
والحق فيه التفصيل بأنه حجة بالنسبة إلى الآثار، والأحكام الشرعية الكلية، بمعنى أنه إن وقع هذا اللفظ في الكتاب والسنة يترتب عليه مفاده من الحكم الشرعي بمقتضى إخبار هذا العدل، وأما في غير الأحكام الشرعية، كأن وقع في الموضوعات، كالأقارير، والوصايا فلا.
أما الأول: فلأنه من الظنون التي يتوقف عليها الاستنباط، والاجتهاد، كالظنون الرجالية، فكما أن الظنون الرجالية يتميز بها حال الراوي، فيستخرج المجتهد بسببه الحكم الشرعي، فكذلك قول العدل - فيما نحن فيه - يتميز به الأسئلة الصادرة من السائلين، في الإخبار عن الأحكام الشرعية، فيستنبط المجتهد الحكم الشرعي من أجوبتهم عليهم السلام، بعد هذه الأسئلة بكلمة نعم، إذ لو لا تعيين السؤال لما فهم أن المراد بالجواب ما هو، مثلا إذا وجد في الأخبار أن السائل سأله عليه السلام عن أن التيمم: يجوز بالصعيد؟ فأجابه عليه السلام بنعم، ولم يعلم أن معنى الصعيد هو مطلق وجه الأرض، حتى يكون معنى قوله: نعم، أنه يجوز التيمم بمطلق وجه الأرض، أو أن معناه التراب الخالص، فيكون معنى الجواب انحصار الجواز فيه، فحينئذ إذا أخبر العادل بأن الصعيد موضوع لمطلق وجه الأرض، فيحمل بسبب ذلك قول السائل على هذا المعني، فيكون معنى الجواب حينئذ ما أريد من السؤال، فيكون معنى (نعم) أنه يجوز التيمم بمطلق وجه الأرض، وكذلك يتميز به مراد الشارع في غير مقام الجواب والسؤال، كما في آية التيمم.
فإذا كان قول ذلك في مقام الأحكام الشرعية من الظنون التي يتوقف عليها فهم الحكم الشرعي، فيكون حجة بالإجماع المركب من القائلين بحجية قول العدل في نفس الأحكام الشرعية، الذي هو حجية خبر الواحد المصطلح، لأن كل من قال بحجية خبر الواحد المصطلح، أعني الإخبار عن السنة، قال بحجية قول العدل في غير خبر الواحد