وصار اللفظ مجملا فيه، فلا يعقل - حينئذ - طريقيتها وكشفها عن المدلول الالتزامي، فإنه كان لازما عند العقل لإرادة الملزوم، فإذا لم يعلم إرادته فلا يعقل الظن من اللفظ بإرادة اللازم، فعلى هذا، فالحق هو التساقط رأسا.
ثم إنه (دام عمره) أجاب عن ذلك بأن المدار في اعتبار الأصول اللفظية إنما هو على طريقة العقلاء، وأهل اللسان، ونحن نراهم أنهم حينئذ يتمسكون - على نفي الثالث - بالخطابين المتعارضين.
وفيه أنه لم يتحقق لنا الآن منهم ذلك، بل لا يعقل منهم، من دون آمر لهم عليه، كما هو المفروض في الأصول اللفظية، فإن عملهم في أمورهم على الظن، وقد عرفت انتفاءه في اللازم بسبب ابتلاء الأصل في الملزوم بمثله.
اللهم إلا أن يقال: إن التعارض مانع من إفادة الخطابين الظن الفعلي، وقد ثبت أن المدار في ظواهر الألفاظ - على ما هو التحقيق - على الظن النوعي، وهو غير مانع منه، فالأصلان المتعارضان يفيدان الظن النوعي بمدلول اللفظ مطابقة والتزاما، ومقتضاه وجوب العمل بظاهر الخطابين، إلا أنه لما وقع التعارض بينهما فيمنع من الاستدلال بكليهما في مدلولهما المطابقي، لأن الواقع واحد، لا يمكن التناقض فيه والمفروض عدم الترجيح لأحدهما، وأما في مدلولهما الالتزامي، فلا مانع من الاستدلال فيجب فتأمل.
ثم إنه ينبغي التنبيه على أمور:
الأول:
أنه لا فرق فيما اخترنا من التوقف بين ظواهر الكتاب عند التعارض وبين غيرها، بل جار في مطلق الظواهر، وكذا القولان الآخران.
نعم ربما يتوهم أنه ثبت التخيير في الكتاب عند تعارض القراءات بتقريرهم عليهم السلام، كما يدل عليه الأخبار، فيثبت في غير ما اختلف فيها القراءات من الآيات المقطوعة المتواترة بالأولوية، فإن ثبوته فيما علم كونه قرآنا أولى من ثبوته فيما لم يعلم بعد، ومقتضى ذلك:
أولا: التزام التخيير في خطابات الكتاب المتعارضة مطلقا لا التوقف.
وثانيا: الاقتصار على ذلك في خطابات الكتاب فحسب، لعدم الدليل عليه في غيرها، فيحصل الفرق بين ظواهر الكتاب وغيرها، فلا يلزم الالتزام بأحد الأقوال الالتزام به مطلقا.