وأما القول الثاني فظهر ضعفه من جهة اعتبار عدم الظن بالخلاف. ثم إنه يرد عليه الإشكال أيضا، في حمل اللفظ على الحقيقة في الأمثلة المذكورة، لما قد عرفت من أن بناء أهل اللسان على العمل بالظواهر العرفية، ولا ريب أنه بعد اكتناف اللفظ بشيء متصل يحتمل كونه قرينة، لا يبقى له ظهور عرفي حتى يعمل به.
ثم - ها هنا - تفصيل آخر للسيد المتقدم - أعني صاحب المفاتيح () (قدس سره)، وهو ان احتمال إرادة خلاف مقتضى اللفظ، إن حصل من أمارة غير معتبرة، فلا يصح رفع اليد عن الحقيقة، وإن حصل من دليل معتبر، فلا يعمل بأصالة الحقيقة، ومثل له: بما إذا ورد في السنة المتواترة عام، وورد فيها أيضا خطاب مجمل يوجب الإجمال في ذلك العام، ولا يوجب الظن بالواقع.
والجواب عنه: ما ذكره شيخنا (دام ظله) في رسالته في هذا المقام فراجع ().
وكيف كان، فقد عرفت المختار - في اعتبار أصالة الحقيقة - من اختصاصها بالخطابات الغيبية، ولا ريب أن أهل اللسان لا يفرقون - حينئذ في العمل بالظاهر العرفي من اللفظ - بين كونه مظنونا أو مشكوكا أو موهوما بغير الظن المعتبر على خلافه.
ويكشف عن ذلك الرجوع إلى الفحص عن أحوالهم في مثل المكاتيب، والرسائل، حيث أنك تراهم يجعلون ظاهر اللفظ حجة، ويرتبون عليه أحكامه من غير أن يتوقفوا، مع الظن الغير المعتبر على خلافه.
ألا ترى أنه لو كتب أحد لآخر مكتوبا، وكتب فيه الشتم والسب على ثالث، فوقع المكتوب بيد ذلك الثالث، فلا يتوقف في جعله حجة على الكاتب، بحيث لو اعتذر الكاتب بأني لم أقصد من الكتابة الشتم، وإنما قصدت به المشق () لم يسمع منه ذلك، ويصح عقابه عند العقلاء. هذا، ومن الظواهر اللفظية المجازات المحفوفة بالقرائن وهذا ما هو المشهور من أن المجازات مع القرائن حقائق ثانوية، أي في حكمها، ويراد بها وجوب حمل اللفظ عليها، عند الخلو عن الصارف للفظ عن الظهور، الذي حصل له بواسطة قرينة، ولو مع عدم إفادة اللفظ العلم بكون الظاهر مع القرينة مرادا، وهو أي ظهور اللفظ مع القرينة على قسمين: