ويمكن أن يحتج لذلك أيضا بالاستقراء في كيفية وضع الوضاع الألفاظ للمعاجين والمركبات الخارجية، حيث أن ديدنهم وضعها بإزاء المركب من مجموع الأجزاء من دون اعتبار ما يتوقف حصول الخاصية المقصودة من المركب وهو الشرط ألا ترى أن الأطباء إنما وضعوا أسماء الأدوية والمعاجين للمركب من جميع ما يستند إليه الأثر المقصود منه، وهي الأجزاء، من دون اعتبار ما يتوقف عليه تأثيره في هذا الأثر فعلا كوصفهم المسهل للمركب من الأمور المؤثرة في الإسهال من دون اعتبار ما يتوقف عليه حصول هذا الأثر كشربه في الظل، أو الحرور، أو في ظرف مخصوص، وكذا حال سائر الوضاع كأرباب الصنائع والحرف عند وضعهم الألفاظ لمخترعاتهم المركبة، وكأهل اللغة في وضعهم الألفاظ للمركبات الخارجية، وحال الشارع كحالهم، لأنه أيضا أحد الوضاع، ونقطع أنه ليس طريقه وراء طريقتهم.
لكن هذا يتم على القول بثبوت الحقيقة الشرعية بالوضع التعييني، وأما على القول بعدم ثبوتها، أو به بطريق التعين الناشئ عن غلبة الاستعمالات فلا، إلا أنه يمكن التمسك لذلك أيضا باستقراء أحوال المستعملين، إذ لا ريب أن كل من استعمل لفظا في معنى مركب ولو مجازا فهو إنما يستعمله في الملتئم من مجموع الأجزاء، من دون التفات إلى ما يتوقف تأثير تلك الأجزاء، هذا.
ولا يخفى ما في ابتناء التفصيل على عدم تحقق الفرق بين الجزء والشرط لولاه من الفساد.
وتوضيحه: أنه لا ريب أن الشروط على تقدير اعتبارهما ليست معتبرة بذواتها كالأجزاء، بل المعتبر حينئذ إنما هو تقيدها في المركب، فالداخل فيه وصف التقيد بها، لا ذواتها، ويكفي هذا الفرق، وأيضا الفرق بينهما من غير هذه الجهة في غاية الوضوح، إذ الجزء الذي يستند إليه التأثير، والشرط ماله دخل في تأثير الجزء أثره، بحيث لولاه لما أثر ذلك، لكن الأثر لا يستند إليه، فإن الذي ينسب إليه التبريد ويستند إليه هو الخل والعسل مثلا، لا كونهما في مكان مخصوص أو ظرف