اعتبار الجمع الدلالي إنما فيما إذا كان المتعارضان صادرين من شخص واحد حقيقة أو حكما، كما في أخبار الأئمة عليهم السلام في حكم متكلم واحد، وأما إذا كانا صادرين عن شخصين متباينين، كما فيما نحن فيه، فلا وجه لهذا الجمع بوجه، إذ لا معنى لحمل العام الصادر من هذا الناقل على الخاص الصادر من غيره، لأن إخبار كل منهما عن وضع اللفظ إنما هو إخبار عن امر واقع، وهو العلقة بين اللفظ والمعنى، لا انهما ناقلان للفظ عن شخص واحد، فان أحدهما يقول: إن الصعيد موضوع لمطلق وجه الأرض، والآخر يقول:
إنه موضوع للتراب الخالص.
نعم لو كانا ناقلين لتنصيص الواضع فيتجه الجمع المذكور، لأنهما ناقلان عن شخص واحد، ومقتضى التعبد بقولهما الحكم بصدورهما منه، فيكونان صادرين من شخص واحد، ولذا يعملون بهذا الجمع، ويراعونه في الوصايا، والأقارير، دون الشهادات، وقول أهل الخبرة في التقويم إذا اختلف القيم، فإن الأوليين صادرتان من شخص واحد، والأخيرتين من متعدد. نعم في الصادرين من متعدد يجمع بطريق آخر غير الدلالي، وهو الجمع التصديقي، وهو يختلف باختلاف الموارد، فإنه في مقام الحقوق المالية بالتنصيف، وفي المقامات الاخر، ومنها ما نحن فيه، بتصديق كل من المخبرين بالتصديق المخبري، والحكم بتصديق خبر المثبت، لأنه يخبر عن علمه، وغيره يخبر عن عدم علمه.
فإن كان مراده من الجمع المذكور هذا الجمع فمتجه، إلا أن هذا عين قوله: وإلا فيقدم المثبت على النافي، فلا وجه لجعله مقابلا له. وأما قوله: فيجب الأخذ بالمرجحات فسيجيء الكلام فيه في المقام الثاني.
المقام الثاني في أنه هل يجب الأخذ بالمرجحات فيما نحن فيه أعني في تعارض قول النقلة أولا؟ بمعنى أن الأصل ما ذا؟
وتحقيق الكلام: أنه إن بنى في المقام الأول أعني صورة التكافؤ والتساوي على التوقف، كما هو المختار، فالأصل الأولي يقتضي عدم الوجوب، وعدم اعتبار المرجح، إذ المرجح كالدليل لا بد من الاقتصار فيه على المعلوم من اعتباره، فما لم يقم دليل على الاعتبار، لا يجز الخروج عن مقتضى الأصول العملية المحكمة في مورد التوقف، وكذا لو بنى هناك على التخيير، لكن من باب التعبد ومقتضى الاخبار، فإن بعضها مطلقة، ومقتضى إطلاقها التخيير في كل مورد يحتمل فيه اعتبار المزية الموجودة في أحدهما، إلا إذا قام دليل على الاعتبار، وكذا لو بنى على التساقط - ثمة - فإنه لا يعتبر المرجح حينئذ بوجه