الأمر الثالث:
إن البحث عن تعارض الأصول اللفظية، وترجيح بعضها على بعض إنما هو على القول باعتبار الظواهر اللفظية من باب الظن النوعي بأحد معنييه، وأما على القول به من باب الظن الفعلي إما بالخصوص، كما اختاره المحقق الخوانساري () قدس سره، أو من جهة دليل الانسداد، فلا ينفع المزايا الآتية الموجودة لأحد الأصلين في حمل اللفظ على المعنى المطابق له، بل المدار على الظن الفعلي، فإن حصل لأحد الخطابين - ولو كان على خلاف - فهو المتبع، وإن لم يحصل أصلا فالأصل هو التساقط رأسا، وفرضهما كأن لم يكونا، وعدم الركون إلى شيء من الأصول أو المزايا الآتية.
اللهم إلا أن يبحث من حيث كون الأصول أو المزايا مفيدة للظن الفعلي وعدمه.
المرحلة الثانية في تحقيق الحال في رجحان الأحوال بعضها على بعض نوعا، وهذا هو المقصود في مبحث تعارض الأحوال المعروف عندهم، فتلك المرحلة باعتبار وقوع الكلام فيها من هذه الجهة هو هذا المبحث المعروف، كما أشرنا إليه سابقا، وتوضيح المقال يحل العقال عن القلم وإطلاق عنانه إلى مسائل الدوران.
فالأولى منها: دوران الأمر بين الاشتراك والنقل، كأن كان اللفظ موضوعا في الأصل لمعنى، ثم حصل له وضع جديد في معنى آخر تعيينا أو تعينا حاصلا بغلبة استعماله فيه مجازا إلى أن وصل حد الحقيقة، بمعنى أنه حصل له علقة بالنسبة إليه أيضا، والأول أعني الوضع التعييني أعم من أن يكون من الواضع أيضا أو من أهل العرف العام أو الخاص.
لكن في تحقق الاشتراك وتصوره فيما إذا كان وضع اللفظ للمعنى الثاني من العرف العام أو الخاص، مع تأخر زمانه عن وضعه للمعنى الأول إشكال، فإنه إما تعييني وإما تعيني حاصل بغلبة استعمال اللفظ مجازا، فعلى الأول لا معنى لتعيين اللفظ في المعنى بعد وضعه للمعنى الأول، إلا تخصيصه بهذا المعنى، ولا ريب أن بقاء وضعه حينئذ للمعنى الأول أيضا يناقض تخصيصه به، فيلزمه عقلا هجر اللفظ عنه حينئذ، فيعين النقل.