لا بد من حمل تلك الأمثلة على أقرب المجازات، إلا أن يدور الأمر فيها من جهة أخرى، وهي أنه أقرب المجازات - اعتبارا - هو حملها على جميع الأوصاف والأفعال، وأقربها استعمالا هو الفعل المناسب، فيدور الأمر بينهما.
لكن الحق هو حملها على الفعل المناسب الظاهر من بين الأفعال فإن الذي يوجب ظهور اللفظ بعد قيام القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي هو غلبه الاستعمال، لا الاعتبار، فعلى هذا القول في حديث الرفع يكون المراد رفع المؤاخذة، لا جميع الآثار، كالقضاء، والإعادة، والضمان مثلا، فعلى ما حققنا لا ثمرة بين القولين، إذ على عدم ثبوت الحقيقة العرفية في الأمثلة المذكورة هي محمولة على نسبتها إلى الفعل المناسب الظاهر.
ومنها: خصوص لفظ الأم، حيث أنه لغة موضوع لمطلق ما يلد، إلا أن استعماله في العرف سائغ في الإنسان، فقد يدعى كونه من الحقائق العرفية في خصوص من يلد من الإنسان.
وتظهر الثمرة في الحديث الذي جاء في كراهة تفريق الأولاد عن الأمهات، فعلى ما يدعى، فهو محمول على بيان كراهة التفريق بين الأولاد والأمهات من خصوص الإنسان، فيستدل به لذلك، وعلى الاحتمال الآخر، فلا يختص الاستدلال به في إثبات الحكم في خصوص الإنسان، بل يكون بإطلاقه دليلا عليه مطلقا.
هذا، وأقول: الأقوى حينئذ انصرافه إلى الأمهات من الإنسان، لأنها الشائع في استعمال الأم، فيكون دليلا للحكم في خصوص الإنسان إلا على الاحتمالين.
ومنها: ألفاظ المقادير والكميات، فإنها موضوعة لغة للمقادير المعينة الغير القابلة للزيادة والنقصان، ولو بيسير، لكن العرف يتسامحون في إطلاقها على المقادير الناقصة أو الزائدة، بالنسبة إلى ما وضعت لها لغة من المقادير المعينة، إذا لم يبلغ الزيادة والنقصان إلى حد لا يجوز التسامح.
وبعبارة أخرى إذا لم تكونا فاحشتين، فهل استعمالها في المسامحات العرفية حقيقة أو مجاز، وعلى الأول، فهل ذلك بوضع جديد لها في العرف، فيما ذكر تعيينا بأن تكون مرتجلة أو تعينا بغلبة الاستعمال، أو بوضع قديم لها في اللغة، بأن تكون مشتركة لفظا بين المقادير المعينة، وبين ما ينقص منها أو يزيد بيسير، ومعنى بأن تكون موضوعة للقدر المشترك بين الزائد والناقص احتمالات.