وأما في الصورة الأولى، وهي ما إذا أريد من اللفظ معناه وغير معناه، بمعنى تعلق الغرض بإفادة كليهما، فلا معاندة لها لتعلق الغرض بالمعنى الموضوع له أصلا، بل فائدتها حينئذ إفادة أن الغرض تعلق بإفادة غير المعنى أيضا.
وكيف كان فقرينة الكناية يؤتى بها بحسب الأغراض المطوية في نفس المتكلم، وبمقدار رفع الحاجة من إفادة هذه الأغراض، وقرينة المجاز يؤتى بها بحسب عدم قصد المعنى الموضوع له بالمعنى الذي ذكرنا.
ومن هنا ظهر ما في كلام سلطان المحققين في الفرق بينهما بأن قرينة المجاز، هي التي تعاند إرادة المعنى الموضوع له على وجه الإطلاق، وقرينة الكناية إنما هي تعاند إرادته وحده.
وأما الجواب عن الإشكال الثاني، فبأنه إذا استعمل اللفظ في اللازم وحده بمعنى أنه قصد منه ذلك كذلك، فلا تصدق عليه الكناية، لما عرفت من اعتبار التغاير بين المستعمل فيه اللفظ وبين الغرض.
وأما الجواب عن الإشكال الثالث فبما عرفت، من أن غرضه من الإرادة هو تعلق الغرض، ولا ريب أن تعلق الغرض بالمعنى وبغيره غير استعماله فيهما. هذا، مع أنك علمت أن المستعمل فيه في تلك الصورة هو المعنى الموضوع له لا غير.
وأما الجواب عن الإشكال الرابع الذي زدناه أخيرا، فبأن تقسيم اللفظ بهذا الاعتبار ليس دائرا بين النفي والإثبات بالنسبة إلى الحقيقة والمجاز كما عرفت.
هذا، ثم إنه قد يستشكل في أنه إذا كان الغرض إفادة اللازم، فلم لا يستعمل اللفظ فيه ويقصد منه؟ فما فائدة قصد المعنى الموضوع له اللفظ منه، مع أن الغرض إفادة غيره؟ لكنه يندفع لما سيجيء في محله - إن شاء الله - من أنه شبهة في مقابل البديهة.
المقام الثالث من المقامات المرسومة للحقيقة والمجاز في أحكامهما.
ويقع الكلام هنا في جهتين:
إحداهما: نظير الشبهة الحكمية لرجوعها إلى الشك في فعل الواضع.
والأخرى: نظير الشبهة الموضوعية لرجوعها إلى الشك في مراد المتكلم بعد إحراز الجهة الأولى.
فلنقدم الكلام في الجهة الأولى، فنقول: إنه إذا شك في وضع لفظ لمعنى فطريق معرفته أمور: