اجعل غذاءك كل يوم مرة * واحذر طعاما قبل هضم طعام واحفظ منيك ما استطعت فإنه * ماء الحياة يراق في الأرحام وذكر أنه مات بالقولنج في همذان، وقيل بأصبهان، والأول أصح، يوم الجمعة في شهر رمضان منها، عن ثمان وخمسين سنة. قلت: قد حصر الغزالي كلامه في مقاصد الفلاسفة، ثم رد عليه في تهافت الفلاسفة في عشرين مجلسا له، كفره في ثلاث منها، وهي قوله بقدم العالم، وعدم المعاد الجثماني، وأن الله لا يعلم الجزئيات، وبدعه في البواقي، ويقال إنه تاب عند الموت فالله أعلم.
ثم دخلت سنة تسع وعشرين وأربعمائة فيها كان بدو ملك السلاجقة، وفيها استولى ركن الدولة أبو طالب طغرلبك محمد بن ميكائيل بن سلجوق، على نيسابور (1)، وجلس على سرير ملكها، وبعث أخاه داود إلى بلاد خراسان فملكها وانتزعها من نواب الملك مسعود بن محمود بن سبكتكين. وفيها قتل جيش المصريين لصاحب حلب وهو شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس، واستولوا على حلب وأعمالها. وفيها سأل جلال الدولة الخليفة أن يلقب ملك الدولة، فأجابه إلى ذلك بعد تمنع. وفيها استدعى الخليفة بالقضاة والفقهاء وأحضر جاثليق النصارى ورأى جالوت اليهود، وألزموا بالغيار.
وفي رمضان منها لقب جلال الدولة شاهنشاه الأعظم ملك الملوك، بأمر الخليفة، وخطب له بذلك على المنابر، فنفرت العامة من ذلك ورموا الخطباء بالآجر، ووقعت فتنة شديدة بسبب ذلك، واستفتوا القضاة والفقهاء في ذلك فأفتى أبو عبد الله الصيمري أن هذه الأسماء يعتبر فيها القصد والنية، وقد قال تعالى (إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) [البقرة: 247] وقال (وكان وراءهم ملك) [الكهف: 79] وإذا كان في الأرض ملوك جاز أن يكون بعضهم فوق بعض، وأعظم من بعض، وليس في ذلك ما يوجب النكير والمماثلة بين الخالق والمخلوقين. وكتب القاضي أبو الطيب الطبري: أن إطلاق ملك الملوك جائز، ويكون معناه ملك ملوك الأرض، وإذا جاز أن يقال كافي الكفاة وقاضي القضاة، جاز أن يقال ملك الملوك، وإذا كان في اللفظ ما يدل على أن المراد به ملوك الأرض، زالت الشبهة، ومنه قولهم: اللهم أصلح الملك، فيصرف الكلام إلى المخلوقين. وكتب التميمي الحنبلي نحو ذلك، وأما الماوردي صاحب الحاوي الكبير فقد نقل عنه أنه أجاز ذلك أيضا، والمشهور عنه ما نقله ابن الجوزي والشيخ أبو منصور بن الصلاح في أدب المفتي أنه منع من ذلك وأصر على المنع من ذلك، مع صحبته للملك جلال الدولة، وكثرة ترداده إليه، ووجاهته عنده، وأنه