اتساعها وكثرة أهلها مائة واحد. وفيها وقع بين الجيش وبين جلال الدولة فاتفق على خروجه إلى البصرة منفيا، ورد كثيرا من جواريه، واستبقى بعضهن معه، وخرج من بغداد ليلة الاثنين سادس ربيع الأول منها. وكتب الغلمان الاسفهلارية إلى الملك أبي كاليجار ليقدم عليهم، فلما قدم تمهدت البلاد ولم يبق أحد من أهل العناد والالحاد، ونهبوا دار جلال الدولة وغيرها، وتأخر مجئ أبي كاليجار، وذلك أن وزيره أشار عليه بعدم القدوم إلى بغداد. فأطاعه في ذلك، فكثر العيارون وتفاقم الحال، وفسد البلد، وافتقر جلال الدولة بحيث أن احتاج إلى أن باع بعض ثيابه في الأسواق، وجعل أبو كاليجار يتوهم من الأتراك ويطلب منهم رهائن، فلم يتفق ذلك، وطال الفصل فرجعوا إلى مكاتبة جلال الدولة، وأن يرجع إلى بلده، وشرعوا يعتذرون إليه، وخطبوا له في البلد على عادته، وأرسل الخليفة الرسل إلى الملك كاليجار، وكان فيمن بعث إليه القاضي أبو الحسن الماوردي، فسلم عليه مستوحشا منه، وقد تحمل أمرا عظيما، فسأل من القضاة أن يلقب بالسلطان الأعظم مالك الأمم، فقال الماوردي: هذا ما لا سبيل إليه، لان السلطان المعظم هو الخليفة، وكذلك مالك الأمم، ثم اتفقوا على تلقيبه بملك الدولة، فأرسل مع الماوردي تحفا عظيمة منها ألف ألف دينار سابورية، وغير ذلك من الدراهم آلاف مؤلفة، والتحف والالطاف، واجتمع الجند على طلب من الخليفة فتعذر ذلك فراموا أن يقطعوا خطبته، فلم تصل الجمعة، ثم خطب له من الجمعة القابلة، وتخبط البلد جدا، وكثر العيارون. ثم في ربيع الآخر منها حلف الخليفة لجلال الدولة بخلوص النية وصفائها، وأنه على ما يحب من الصدق وصلاح السريرة. ثم وقع بينهما بسبب جلال الدولة وشربه النبيذ وسكره. ثم اعتذر إلى الخليفة واصطلحا على فساد. وفي رجب علت الأسعار جدا ببغداد وغيرها، من أرض العراق. ولم يحج أحد منهم.
وفيها وقع موتان عظيم ببلاد الهند وغزنة وخراسان وجرجان والري وأصبهان، وخرج منها في أدنى مدة أربعون ألف جنازة. وفي نواحي الموصل والجبل وبغداد طرف قوي من ذلك بالجدري، بحيث لم تخل دار من مصاب به، واستمر ذلك في حزيران وتموز وآذار وأيلول وتشرين الأول والثاني، وكان في الصيف أكثر منه في الخريف. قاله ابن الجوزي في المنتظم. وقد رأى رجل في منامه من أهل أصبهان في هذه السنة مناديا ينادي بصوت جهوري: يا أهل أصبهان سكت، نطق سكت، نطق، فانتبه الرجل مذعورا فلم يدر أحد تأويلها ما هو، حتى قال رجل بيت أبي العتاهية فقال:
احذروا يا أهل أصبهان فإني قرأت في شعر أبي العتاهية قوله:
سكت الدهر زمانا عنهم * ثم أبكاهم دما حين نطق فما كان إلا قليل حتى جاء الملك مسعود بن محمود فقتل منهم خلقا كثيرا، حتى قتل الناس في الجوامع. وفي هذه السنة ظفر الملك أبو كاليجار بالخادم جندل (1) فقتله، وكان قد استحوذ على