لعنهم الله بيت المقدس شرفه الله، وكانوا في نحو ألف ألف مقاتل، وقتلوا في وسطه أزيد من ستين (1) ألف قتيل من المسلمين، وجاسوا خلال الديار، وتبروا ما علوا تتبيرا. قال ابن الجوزي: وأخذوا من حول الصخرة اثنين وأربعين قنديلا من فضة، زنة كل واحد منها ثلاثة آلاف وستمائة درهم، وأخذوا تنورا من فضة (2) زنته أربعون رطلا بالشامي، وثلاثة وعشرين قنديلا من ذهب (3)، وذهب الناس على وجوههم هاربين من الشام إلى العراق، مستغثين على الفرنج إلى الخليفة والسلطان، منهم القاضي أبو سعد الهروي، فلما سمع الناس ببغداد هذا الامر الفظيع هالهم ذلك وتباكوا، وقد نظم أبو سعد الهروي كلاما قرئ في الديوان وعلى المنابر، فارتفع بكاء الناس، وندب الخليفة الفقهاء إلى الخروج إلى البلاد ليحرضوا الملوك على الجهاد، فخرج ابن عقيل وغير واحد من أعيان الفقهاء فساروا في الناس فلم يفد ذلك شيئا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فقال في ذلك أبو المظفر الأبيوردي شعرا:
مزجنا دمانا بالدموع السواجم * فلم يبق منا عرضة للمراجم وشر سلاح المرء دمع يريقه (4) * إذا الحرب شبت نارها بالصوارم فأيها بني الاسلام إن وراءكم * وقائع يلحقن الذرى بالمناسم وكيف تنام العين ملء جفونها * على هفوات أيقظت كل نائم وإخوانكم بالشام يضحي مقيلهم * ظهورا المذاكي أو بطون القشاعم (5) تسومهم الروم الهوان وأنتم * تجرون ذيل الخفض فعل المسالم ومنها قوله:
وبين اختلاس الطعن والضرب وقفة * تظل لها الولدان شيب القوادم وتلك حروب من يغب عن غمارها * ليسلم يقرع بعدها سن نادم سللن بأيدي المشركين قواضبا * ستغمد منهم في الكلى (6) والجماجم