ما ينقل عن أبي سهل من الشافعية، قيل وحكي عن ابن شريح من الافتقار إلى النية، وهو كما ترى، ولعله بما سمعت من الاجماع يخص أصالة الاحتياج إليها في كل أمر لو سلمت، لكن قال في المدارك: " إن الفرق بين ما يحتاج إلى النية من الطهارة ونحوها وما لا يحتاج من إزالة النجاسات وما شابهها ملتبس جدا، لخلو الأخبار من هذا البيان.
وما قيل: إن النية إنما تجب في الأفعال دون التروك منقوض بالصوم والاحرام، والجواب بأن الترك فيهما كالفعل تحكم، ولعل ذلك من أقوى الأدلة على سهولة الخطب في النية وأن المعتبر فيها تخيل المنوي بأدنى توجه، وهذا القدر أمر لا ينفك عنه أحد من العقلاء كما يشهد به الوجدان، ومن هنا قال بعض الفضلاء: (لو كلف الله الصلاة أو غيرها من العبادات بغير نية كان تكليف ما لا يطاق) وهو كلام متين لمن تدبره " انتهى.
قلت: قد يكون منشأ الاجماع هو كون إزالة النجاسة من قبيل التروك يراد بها رفع القبيح عن الوجود في الخارج فلا تتوقف على النية. أو يقال: إنا لا نقول في مثل المقام: بتحقق الامتثال حال عدم النية،. أو يقال: إنا لا نقول في مثل المقام: بتحقق الامتثال حال عدم النية، نعم نقول: بحصول الطهارة للثوب حال عدمها، وهو غير قادح إذ لم يعلم من الأدلة اشتراط حصول الطهارة بصدق مسمى الامتثال، بل الظاهر من الأدلة خلافه، لكون المستفاد منها أنها تحصل بحصول مسمى الغسل، فيكون التحقيق حينئذ أن الأمر إما أن يتعلق بما لا يعرف ماهيته وحصول مسماه إلا من قبل الشرع كالوضوء والغسل ونحوهما، أو يتعلق بما لا مدخلية للشرع فيه كالأمر بغسل الثياب والأواني ونحو ذلك، فإن كان الأول وقد رتب الشارع أحكاما شرعية على حصول المسمى فالظاهر الاحتياج إلى النية، إذ بدونها لا يعلم حصول المسمى، وإن كان الثاني وقد رتب الشارع كذلك فالظاهر عدم الاحتياج في حصول تلك الأحكام إلى النية، لتحقق المسمى بدونها الذي علق عليه وجود الأحكام بدونها، هذا كله حيث تعلق الآثار على مبدء الأوامر كأن يقول: اغسل ثوبك فإن الغسل يزيل النجاسة، أما لو وقع الأمر بالغسل مثلا ولم يذكر تعليق الآثار على المبدء