فهذان الحملان لا بأس بهما، جمعا وإن بعدا، ولا سيما الأول منهما، كما نبه عليه غير واحد من الأصحاب، معللين بأنه خلاف المشهور بينهم، إذ أكثرهم ذهبوا إلى جواز قتل الجميع، كما ذهب إليه أصحابنا، لكنهم لم يوجبوا ردا، بل جعلوا دم كل منهم مستحقا للولي مجانا، قالوا: والأولى حمله على الاستحباب. ولا بأس به أيضا.
(الثانية: يقتص من الجماعة في الأطراف كما يقتص) منهم (في النفس) لفحوى الأدلة المتقدمة، مضافا إلى خصوص الصحيحة الصريحة:
في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل، قال: إن أحب أن يقطعهما أدى إليهما دية واقتسماها ثم يقطعهما، وإن أحب أخذ منهما دية يد، قال: وإن قطع يد أحدهما رد الذي لم يقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية (1).
(فلو قطع يده جماعة كان له التخيير في قطع) يد (الجميع ويرد فاضل الدية) أي دية يده عليهم يقتسمونه بينهم بالسوية (وله قطع) يد (البعض) منهم واحدا أو متعددا (ويرد عليهم) أي على المقطوعين.
وإنما جمع الضمير تنبيها على ما ذكرنا من دخول المتعددين في البعض، الذي له الخيار في قطعهم البعض (الآخرون) بقدر جنايتهم، فإن فضل للبعض المقطوع فضل بأن تعدد قام به المجني عليه.
وبالجملة الأمر هنا كما سبق في المسألة السابقة، من دون فرق بينهما، إلا من حيث إن الشركة في النفس يتحقق بموته بالأمرين أو الأمور، سواء اجتمعت أم تفرقت، وهنا لا يتحقق إلا مع صدور الفعل عنهم أجمع، إما بأن يشهدوا عليه بما يوجب قطع يده ثم يرجعوا، أو يكرهوا إنسانا على قطعه، أو يلقوا صخرة على طرفه فيقطعه، أو يضعوا حديدة على المفصل ويعتمدوا عليها جميعا، ونحو ذلك.